الصغيرات تعشقن شعورهن، فالطفلة منذ الرابعة تدلل شعرها، وتعتنى به فهو العلامة المميزة لها كأنثى -حسب إدراك الطفلة-، فماذا إن تم قصه؟ ومن شخص آخر بدافع العقاب.. هنا لا تسأل عن نفسية الفتاة التى يحدث معها هذا، خصوصًا لو كانت طفلة صغيرة لم تتعد 12 عامًا.. يمكنك أن تسأل فقط عن القهر الذى تشعر به، أو القسوة، والتزمُت الذى يعيش فيه من قام بقص شعرها. الغريب أن الواقعة لم تكن بداخل السجن كما يمكننا أن نتصور للوهلة الأولى، لكنها داخل دار علم.. مَدرسة مُفترض أن يتعلم التلاميذ فيها كيفية احترام الآخرين وحرياتهم.. ولا ندرى أى حق هذا الذى استعملته مُدرسة مادة العلوم بالأقصر لتحاسب الطفلتين علا منصور قاسم ومنى بربش الراوى لأنهما لم ترتديا الحجاب، وتقوم بقص شعرهن.. بل ما هو الحق الذى تراه هذه المدرسة فى أن تفرض الحجاب على تلميذات فى الصف السادس الابتدائى، أم أن هذا إضافة جديدة لسلسلة أحداث وزارة التعليم من «الشذوذ الجنسى» الذى صرح به وزيرها الدكتور إبراهيم غنيم لجريدة «التحرير»، وصولا إلى هذا الشذوذ الفكرى فى التعامل مع الأطفال وإجبارهم على ارتداء ملابس معينة؟ أم أن المدرِّسة تأثرت بتصريحات غنيم نفسه عن ضرورة ضرب الطلاب فى المدارس وزادت عليها بقص شعورهن، وهى للغرابة نفس تصريحات وزير التعليم الأسبق أحمد زكى بدر عن موافقته على الضرب فى المدارس، والتى حدثت بعدها أكثر من واقعة اعتداء وضرب مبرح من المدرسين للطلاب. المتغافلون فقط هم من ينظرون إلى هذه الواقعة فى مثل هذا الوقت بالذات على أنها تصرف فردى من معلمة منتقبة، لأن حقيقة الأمر أن هذه المعلمة تضع فى بالها بالتأكيد أنه لا أحد سيحاسبها لأنها تريد -كما هو واضح من تصرفها- تطبيق شرع الله، ولربما ستكون هذه إجابتها حين التحقيق معها فى النيابة، ومديرية التربية والتعليم، كما أن هذه المدرسة ليست بعيدة عما يحدث فى البلد من انتهاك الإسلاميين للحريات، وعلى رأسها الأمور التى يقولون إنهم يريدون تنفيذ شرع الله من خلالها، ولا أفضل من مسألة الحجاب بالنسبة إليهم لتكون مثالًا على هذه الأمور. يحق تماما لأهل الطفلتين رفع قضية تعويض على وزارة التعليم والمدرَسة، بل وواجب فى ظل المسوَّدة الأولى للدستور التى لم تذكر المرأة فيه سوى فى مادة واحدة هى المادة (68) «تلتزم الدولة باتخاذ كافة التدابير التى ترسخ مساواة المرأة مع الرجل فى مجالات الحياة السياسية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية وسائر المجالات الأخرى دون إخلال بأحكام الشريعة الإسلامية»، والتى يعنى تطبيقها أن علا منصور قاسم ومنى بربش الراوى ستجلسان فى البيت قريبا لتستمتعان بقص شعرهما فقط.
أمر آخر يثير اليأس والإحباط فى الواقعة هو أن المعلمة تُدرس مادة العلوم، أى أنها تُعلم الأطفال كيف يفكرون، وأن يتخذوا قراراتهم بناء على أن (1+1=2) وليس بناءً على آراء شخصية، فلربما كان أولى بالمدرسة -وهذا ليس حقها- أن تعرِّف الأطفال بالحجاب بطريقة جيدة إن كانت تريد أن تحببهن فيه، ولتختار كل منهن ما تريد، ووقتها ستكون بهذه الطريقة أدت رسالتها الدينية إن كانت تعتقد أنه مفروض عليها ذلك، كما أنها فى الوقت نفسه ليست مدرسة لغة عربية أو تربية دينية، وهن عادة من يتحدثن فى مسألة الحجاب فى كل المدارس. لا يمكن الاكتفاء بالتحقيق فقط فى هذه الواقعة سواء من قِبل النيابة أو مديرية التعليم، فالأولى بالوزير إن كان يريد تعليمًا أفضل لأبنائنا، أن يتم إقالة المدرسة، وتعيين مدرس أو مدرسة بدلا منها.. ممن يتظاهرون للتعيين أو إخصائى نفسى حقيقى -مش يبقى بتاع دراسات وإخصائى نفسى فى نفس الوقت- يعالج الطفلتين من الآثار النفسية التى ستصيبهما بسبب قص المدرسة لشعرهما، وليكن هناك معلم لو وقف له الطلاب عند دخوله الفصل فلأنه كاد أن يكون رسولًا بالفعل.