رئيس منطقة شمال سيناء الأزهرية يشهد الاجتماع الأول لمعلمي التربية الرياضية    "الكهرباء": تركيب مصيدة قلب مفاعل للوحدة النووية الثالثة بالضبعة في هذا الموعد    أهالى أبو الريش بأسوان: بنشكر الرئيس السيسى على افتتاح مشروع خط مياه الشرب    بمساعدة مصر وقطر.. واشنطن تدفع بخطة لوقف القتال لمدة تصل إلى 4 أسابيع    بدر عبد العاطي للفريق البرهان: مصر تواصل جهودها لدعم السودان للخروج من الأزمة    "استقبال بالورود".. بعثة الأهلي تصل إلى السعودية لخوض مباراة السوبر الأفريقي (صور)    قرار جديد من النيابة بشأن 6 متهمين بالتنقيب عن الآثار في باب الشعرية    إيساف يستقبل المعزيين في وفاة شقيقه بمصر الجديدة    أول تعليق من إلهام شاهين بعد حريق ديكورات فيلم "الحب كله"    لمواليد «العذراء» و«القوس» و«الجوزاء».. ماذا يخبئ هذا الأسبوع لأصحاب هذه الأبراج؟    واعظات الأوقاف يشاركن في مبادرة «خُلُقٌ عَظِيمٌ» بعدد من مساجد بني سويف    أرسنال يرغب في التعاقد مع أوزيل الجديد    حالة الطقس غدًا الخميس 26- 09-لا2024 بوادي النطرون    «زيرو تحرش».. عام دراسي بدون أزمات وانتشار الشرطة النسائية رسالة طمأنة لأولياء الأمور (فيديو وصور)    أهالى دراو بأسوان لقناة إكسترا نيوز: المياه آمنة ونشرب منها فى أي مكان    أمين الفتوى يوضح حكم قراءة الفنجان والتنجيم والأبراج    مدير الرعاية الصحية للتأمين الشامل بجنوب سيناء: نعمل على تلبية احتياجات المواطنين    نائب محافظ الدقهلية يجتمع بأعضاء اللجنة العليا لمواجهة حرق قش الأرز    خبير شؤون إسرائيلية : الحديث عن استهداف نصف قدرات حزب الله غير صحيح    وزير الصحة: ضخ 133 مليون عبوة أدوية طبية ل364 مستحضرا دوائيا    منذ بداية أغسطس حتى الآن.. خالد عبدالغفار: زيادة ضخ الأدوية محليا ب133 مليون عبوة ل364 مستحضرا دوائيا    على هامش اجتماعات الأمم المتحدة.. وزير الخارجية يشارك في فعالية رفيعة المستوى حول المياه    رئيس جامعة عين شمس يشهد توزيع شهادات دورات لغة الإشارة المصرية    مصدر من مودرن سبورت يكشف ل في الجول: فسخ تعاقد مروان محسن والوادي    انطلاق الملتقى الثامن عشر لشباب المحافظات الحدودية بمسرح فوزي بأسوان    وثيقة سياسة ملكية الدولة.. مدبولي: هدفنا تعظيم الأصول والعروض غير المناسبة لا نقبلها    كرم جبر يزور عددًا من المؤسسات الإعلامية في سلطنة عمان    خالد الجندى: عمليات التجميل والتحول الجنسى فعل شيطانى للحرب على بنيان الله    انطلاق دورة التعامل اللائق مع رواد المسجد لعمال المساجد    رئيس جامعة القاهرة يبحث مع وفد مجلس الشيوخ الفرنسD تعزيز علاقات التعاون    ترحيب واسع بدعم الرئيس السيسي لتوصيات الحوار الوطني.. تعزيز لحقوق الإنسان والإصلاح القانوني في مصر    كلامها حلو.. هشام عباس يكشف تفاصيل ألبومه الجديد وموعد طرحه    «القاهرة الإخبارية»: إسرائيل تعمل على عزل بلدات وقرى الجنوب اللبناني    وليد فواز يكشف سبب خوفه من دوره في مسلسل «برغم القانون».. قللت وزني    وزير التموين يجتمع مع رئيس البريد وممثلى شركة فيزا العالمية لبحث أوجه التعاون    وزير الخارجية: أكثر من 70% من المخاطر المناخية مرتبطة بالمياه    محافظ الدقهلية ييستلم دفعة من المواد الغذائية لتوزيعها على الأولى بالرعاية    سكرتير عام مطروح المساعد للأهالي: التصالح هو ميراثك للأجيال القادمة    الإمارات تُعلن استشهاد 4 من قواتها المسلحة إثر تعرضهم لحادث    بمشاركة أكثر من 40 دار نشر.. افتتاح النسخة الأولى من معرض نقابة الصحفيين للكتاب    مدرب السد القطري: مباراة الغرافة ستكون صعبة للغاية    ميكالي يستقر على إقامة معسكر لمنتخب 2005 في التوقف الدولي المقبل (خاص)    الصحة اللبنانية: 15 شهيدًا في غارات إسرائيلية على الجنوب    تنظيف وتعقيم مسجد وضريح السيد البدوي استعدادًا للمولد (صور)    وزير الدفاع: التحديات الإقليمية تفرض علينا أن نكون على أهبة الاستعداد    وزير النقل اللبناني: لا توجد مشكلات لوجيستية بمطار بيروت.. وملتزمون بقوانين الطيران العالمية    13 مليون جنيه إجمالي إيرادات فيلم عاشق بدور العرض السينمائي    إجراء 267 ألف تدخل طبي في مستشفيات التأمين الصحي الشامل    «صحة المنوفية»: إدارة المتوطنة قدمت خدماتها ل20 ألفا و417 مواطنًا في مجالات الفحص والمكافحة    عملت وشم فشلت في إزالته هل صلاتي باطلة؟.. رد حاسم من داعية (فيديو)    تتخطى مليار دولار.. شركة تابعة للسويدي إليكتريك تشارك في إنشاء محطة توليد كهرباء بالسعودية    ضبط نحو (14) ألف قضية سرقة تيار كهربائى خلال 24 ساعة    إمام عاشور يكشف مفاتيح الفوز على الزمالك ودور اللاعبين الكبار في تألقه    حارس ليفربول: 5 أمور تحسنت في مستوى محمد صلاح تحت قيادة آرني سلوت    القبض على عنصرين إحراميين يديران ورشة لتصنيع الأسلحة النارية بالقليوبية    إصابة 7 أشخاص فى مشاجرة بين عائلتين بقنا    عقب تداول «فيديو».. سقوط لصوص أغطية بالوعات الصرف بالمنصورة    تشيلسي يكتسح بارو بخماسية نظيفة ويتأهل لثمن نهائي كأس الرابطة الإنجليزية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هارمونيكا
نشر في التحرير يوم 10 - 10 - 2012

فور تقديمى استقالتى من عملى اشتريت هارمونيكا. صادفت البائع على رصيف البحر، فلم أتردد فى شرائها كترددى فى شراء غيرها من الأشياء غير المعتادة بالنسبة إلىّ، والتى كانت تحتاج إلى وقت كى أعتادها وأدخلها فى مجالى النفسى والمادى. مع الهارمونيكا لم يحدث هذا. كأن هذه الآلة خُلقت لى فى تلك اللحظة الصعبة من حياتى. عدة تحولات ومنحنيات حياتية حادة تحتاج إلى موسيقى مصاحبة لها حتى تخفف من دراميتها. كانت تصفر فيها الريح بدلا منى. بطل فيلم «أهلا.. الوداع» الذى شاهدته عدة مرات فى بداية السبعينيات، وعرض باسم تجارى هو «لحظات حب»، هذا البطل كان يعلق هارمونيكا فى عربته الأوستن المكشوفة، فتصفر لحنه المفضل بقوة الريح التى تؤجهها العربة المسرعة. كنت أدور بها فى كل مكان: الترام، الأوتوبيس، على شاطئ البحر، فى الأماكن المزدحمة، الأماكن المعزولة، لأعزف لحنى الخاص. اللحن العشوائى ذو النغمة الواحدة الذى لا يحس به سواى. لأول مرة فى حياتى أمتلك آلة موسيقية. مرت الطفولة دون موسيقى. كنت أشترى تلك الربابة من البائع الذى كان يمر فى شارعنا ويغنى عليها أغنيته الحزينة. لم يكن لأغنيتى هذا الحزن القدرى للربابة. كان لها حزنها الخاص، حزن دون قدر أعمى يقف أمامه أو يقمعه أو يجعله ليس مسؤولا. كان حزن أغنيتى سائبا يبحث عن ريح تحمله إلى آفاق بعيدة ورحبة. أيام من العزف وتختفى الربابة ضمن حاجيات البيت التى تختفى. فى المدرسة الإعدادية اختارنى مدرس الموسيقى لأقف فى الكورس فى الصف الأخير وأنا أرتدى بابيونا سوداء. فى المدرسة الابتدائية دخلنا غرفة الموسيقى البعيدة عن فصولنا بمسافة تسمح بسكنى الأشباح والفئران لها. تعلمنا فيها الموسيقى دون استخدام آلة موسيقية. أفواهنا تردد مع إيقاع المعلمة وأصابعها: «تفاتِفى تَتى تَتى تا». نكرر هذه الجملة الموسيقية عدة مرات، ونعلم بأصباعنا على أفخاذنا لنلتقط مادية هذا الإيقاع على جلودنا، حسب عدد الأصابع المضمومة أو المفتوحة، وحماسها فى التكرار. أقصى احتمال موسيقى مرت به الطفولة. لم يكن أحد من حولنا له هواية موسيقية، سوى ابن خالتى. أجبره والده على أن يتعلم العزف على الكمان، وأتى له بمدرس. كانت أصوات دروس الكمان تخرج من شباك الصالون فى شقة خالتى فى الطابق الثالث لبيتنا العائلى، بينما أنا فى الحديقة أستمع إلى صوت نقيق الضفادع، وأطاردها هى والسحالى. وفى النهاية أقوم بتشريحها فى أحد الدروس الأساسية للطفولة، أن يهبك كائن من كان نفسه لترى ما بداخله. اشتريت هارمونيكا على اعتقاد أن بداخلى بركانًا من الهواء الساخن، تماما مثل قوة الريح لبطل فيلم «لحظات حب»، سيذيب أى جملة موسيقية عنيدة ويطوعها لأصدر لحنى الخاص.
عند عودة البطل فى عربته المكشوفة، وبعد كل انتصار نفسى له، عادة يحدث بعد علاقته الجسدية مع حبيبته الأرستقراطية، كان يترك الهارمونيكا لتجسد وتنوب عن صوت فرح قلبه. كان عزفى على الهارمونيكا لا يصدر هذا الصوت لأى أفراح داخلية، فلم تكن هناك انتصارات أو إشباع حققته بعد لنفسى فى ذلك الوقت، سوى انتصارى على نفسى وتقديمى استقالتى من عمل لم يكن لى ولم أكن له. كان عزفى خاليا من فرح التحقق وله نغمة واحدة. كان به فرح من نوع آخر، بأنى أصبحت على أولى عتبات عالم حر. كان صوت الهارمونيكا هو موسيقى الافتتاح لهذا العالم الجديد. الصفير ومرجحة الذراعين فى الشارع، بسطهما كأنك طائر، وقبضهما كأنك تحضن الحياة نفسها. أول دروس الموسيقى التى تعلمناها من أعضائنا، من كورس هذه النفس المنسجمة. قابلت مرة شاعرًا إسبانيًّا من برشلونة. لم يحدث أى تواصل باللغة بيننا. كنت أشعر بتعاطف وود شديدين يحاول أن ينقلهما إلىّ فى أى حديث أو أمسية أو مائدة تجمعنا. إلا فى اليوم الأخير بعد أن ودعنا بعضنا، رأيته يسير بمفرده وهو يمرجح ذراعيه على الشاطئ، وفى حالة انسجام تام مع كل ما يحيط به. كانت هذه هى الرسالة التى نقلها إلىّ عن نفسه. ومضة كشفت شيئا عميقا داخل هذه الروح، أجدى من كل الحوارات المختصرة التى تمت بيننا. أسعدنى مرجحته لذراعيه، وانتشاءه بنفسه. تلك كانت أغنيته الخاصة التى لن يعزفها إلا فى لحظات انسجامه مع نفسه، ومع الحياة من حوله. مهما كانت الموسيقى حزينة فهى تعبر عن علاقة مركبة وأعمق بالحياة. كنت أبحث عن طريق الهارمونيكا عمن يشاركنى وحدتى الجديدة. بانسلاخك من جلدك الاجتماعى القديم تفاجئك تلك الوحدة الثرية، وهى المكان الخصب لالتقاط مطالع الأغنية الخاصة. كل حركة من حركاتك، حتى الخطأ منها، هى جزء من سلم موسيقى ستصعده بمفردك، أو بصحبة آخرين، حتى تكتمل هذه الأغنية. بعد عدة شهور بدأت أمل من وجود الهارمونيكا فى جيبى. لم تكن هى الآلة التى تسمح بصداقة طويلة، فقدت جاذبيتها بسبب نغمتها الأحادية المكررة، أو أنها قد أدت وظيفتها على أكمل وجه، فى أن تحمل هذا الهواء الساخن والمكبوت فى صدرى وتحوله إلى موسيقى تغلف المجال النفسى والمادى الذى أدور فيه. فى إحدى مسيراتى اليومية على البحر، وجدت طفلا ينظر إلىّ وأنا أعزف عليها، فخلعتها من فمى وأعطيتها له دون أى كلمة. فى تلك الفترة كنت مستعدًا أن أمنح أى شىء من روحى لأول عابر سبيل أقابله فى الطريق العام.

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.