كيف يمكننا، الكلام، عن «الحرية الشخصية»، فى بلاد، تخاف التنوع.. تكره التجديد.. تتهم التفرد.. تكفِّر الاختلاف؟ إن الاختيار الحر، الذى يُعتبر، جوهر «الحرية الشخصية»، مرهون، بإتاحة كل البدائل الممكنة. والشق الآخر المكمل، ولا غنى عنه، هو عدم الإدانة الأخلاقية، والاجتماعية، لأى بديل يتم اختياره، من قِبل الشخص، أو الجماعة. يختار أغلب الناس «البديل»، الذى يتماشى، مع رضا المجموع، ولا يثير حفيظة التيار الدينى، والثقافى العام، ويتناغم مع القيم القطيعية، وتستحسنه العادات، والتقاليد، التى وضعها أموات، منذ آلاف السنين. بناء على ذلك، نستطيع القول، بأن أغلب الناس، فى واقع الأمر، لا يختارون، بحرية شخصية، لكنهم «يقلدون»… «يرضخون»… «يطيعون»… ويفعلون ما هو أسوأ، ونقصد به، أن يكون للشخص، امرأةً أو رجلًا، حياةٌ علنية، تساير التقاليد المجتمعية الجماعية الموروثة المستحسَنة. وحياة أخرى، فى الخفاء، تسير، ضد قيم الحياة المعلنة. بهذا التقسيم، إلى حياة مطيعة علنية، وحياة متمردة سرية، تخلق الازدواجية الأخلاقية، ويتم ترسيخها. ودعونا نُعطِ بعض الأمثلة. فى المجتمعات الذكورية، التى هى حال مجتمعاتنا العربية، يكون الزواج، والإنجاب، والأمومة، وتلبية طلبات الزوج، وإشباع غرائزه، فى طاعة كاملة، هى «الفضيلة الكبرى»… و«الوظيفة الأساسية»… و«الغاية من الوجود»، للنساء. وحين تشتغل كل المؤسسات الثقافية، لتدعيم هذا المفهوم، وتكرس جميع وسائل الإعلام، لترسيخ هذا الدور للمرأة. وعندما، يتم التهكم، والسخرية، من النساء، اللائى لم يتزوجن، أو لا يُرِدن الإنجاب، أو لا تستهويهن فكرة خدمة الأزواج. وحين تكون النظرة إلى المرأة، المطلقة، نظرة متدنية أخلاقيا. وعندما يتحدد عمر المرأة، وقيمتها، ومكانتها، بقدرتها البيولوجية (سن اليأس)، وحين تكون الوحيدات من النساء، متهمات، يواجهن، الإدانة، والتطفل، وانتهاك الخصوصية، والتحرش، فى جميع أشكاله. هل فى مجتمعات هذا حالها، حين «تختار»، الفتاة، «الزواج والإنجاب وخدمة وطاعة الزوج»، كمستقبل لها، يكون هذا، «حرية شخصية»؟ وكذلك بالنسبة إلى الرجل، بحكم التقاليد الذكورية، والقيم الاجتماعية الموروثة، والمفهوم بعيد القدم، عن الرجولة، يجد نفسه، محاصرًا، لأن يلعب دور «الشرطى»… و«الجلاد»... و«القاضى»… و«الرقيب»، على أخلاق المرأة، وعلى عقلها، وعلى جسدها، وعلى «أنفاسها»… و«خطواتها»… هل هنا، يصحّ لنا، القول بأن الرجل، قد مارس «الحرية الشخصية»، حين أصبح، المطرقة الحديدية، التى تضرب المرأة، ماديا، أو معنويا؟ وإذا كنا نعيش، فى مجتمع، تسربت إليه، أكثر التفسيرات الدينية، تخلفا، وذكورية، وتعصبا، وتزمتا، وجهلا، وتطرفا، وهوسا، وكلها تنصبّ على النساء.. وحيث تختزل الأديان، إلى أمتار من القماش، واستعراضات للطقوس، وإعلانات عن العبادات، وشكليات متعصبة، وآليات للانسحاب من مباهج الحياة. فى مثل مجتمع كهذا، إذا اختارت المرأة، أن تشترى القماش، لكى تتغطى، وتتحجب، وتتوارى عن الأنظار.. أو تنزل إلى الشارع، ملفوفة، فى السواد الكامل.. أتكون قد اختارت، ذلك المظهر، وتلك التفسيرات، ب«حرية شخصية»؟ إن الاستثناء، من البشر، فقط، نساء، ورجالا، هم الذين، يعيشون المفاهيم التى حقًا، ترضيهم، وتنسجم مع أحلامهم، وتجعلهم، سعداء… أصحاء النفس، وأصحاء الجسد.. وأصحاء المصير. وهو استثناء، فى العالم كله، وليس فقط، فى مجتمعاتنا. الشىء الذى يدهشنى دائمًا، هو أن «الخضوع» له ثمن… و«الحرية» لها ثمن… فإذا كنا ندفع ثمنًا باهظا، فى الحالتين، فلماذا لا ندفع، ونتحرر؟ ■ ■ ■ احتشدت الحركة النسائية المصرية، الخميس الماضى 4 أكتوبر، فى مسيرة ضمت التيارات والاتجاهات النسائية المختلفة، وقدمت إلى مكتب رئاسة الجمهورية، وثيقة «حقوق المرأة فى الدستور»… وهى وثيقة تضم البنود التى يجب أن يشتمل عليها الدستور الجديد، حتى تتحقق العدالة بين النساء، والرجال، فى الحياة الخاصة، وفى الحياة العامة. وكانت الحركة النسائية المصرية، بكل تياراتها، قد اجتمعت لتعلن الاجتماع التأسيسى، يوم 5 سبتمبر 2012. وهذا يعتبر إنجازًا، فى حد ذاته، حيث توحدت القوى النسائية المتباينة، بعد تاريخ طويل من العمل الفردى المنقسم. وأى مكاسب لحقوق النساء، لا يمكن أن تحدث، إلا باتحاد النساء أنفسهن، كخطوة أساسية. وهو الأمر، الذى أدركته النساء، خصوصًا بعد الثورة التى اشتركت فيها، المرأة المصرية، بكل تياراتها، فى صوت واحد، مع الرجال المصريين. ■ ■ ■ قرأت عن الأب الذى يعرض بناته للبيع، بسبب الفقر، وعدم توافر العمل، وعجزه عن الإيفاء بأبسط احتياجات أسرته. وما أكثر الأسر الفقيرة، التى تبيع بناتها، فى السوق، أو فى عروض الزواج من عجائز أثرياء. فالفقر، ذلك القاتل، دون رحمة، سوف يمتد إلى المزيد من الأسر، وسوف يزداد الفقراء فقرا، ما دامت العدالة الاجتماعية، غائبة، وما دام الفقراء، لا يشكلون قوة ضغط على الأنظمة السياسية المستبدة. ■ ■ ■ من واحة أشعارى إلى المحتلين الجدد خذوا الحكم والعنجهية خذوا الجاه والسلطان خذوا كل الأشياء واتركوا لنا الحرية