هو: تقدرى تقولى لنا إنتى هنا ليه النهارده؟ عايزة تحضرى المحاكمة، ولاّ عشان تهتفى لحسنى مبارك زى المجموعة اللى إنتى واقفة معاها؟ هى: أنا جاية النهارده علشان عندى رسالة عايزة أبعتها للعالم كله. هو: للعالم كله؟! ممكن من فضلك تقولى لنا إيه فحوى الرسالة دى؟ هى: الأول إحنا جايين نقول للرئيس البطل محمد حسنى مبارك: آسفين يا ريس، وبعدين عايزة أقول إن اللى بيحصل ده عار على مصر بحالها. عار على كل المصريين. هو: طب ما تفهمينا إيه اللى بيحصل ده؟ تقصدى إيه بالضبط؟ هى: أقصد محاكمة السيد محمد حسنى مبارك رئيس جمهورية مصر الشرعى. العالم كله بيتفرج علينا دلوقتى، وبيضرب كف على كف. معقولة فيه بلد فى الدنيا بتحاكم أبوها؟ هو: البعض بيقول إن دم شهداء الثورة فى رقبته، فهل إنتى شايفة إنه مايتحاسبش على إصدار أوامر بقتل المتظاهرين؟ هى: أوامر إيه وبتاع إيه؟ أولا إحنا فى مصر ماعندناش شهداء من بعد أكتوبر 73، وبعدين دول مش شهداء ولا يحزنون. دول شوية عملاء وبلطجية واخدين فلوس من برة وعندهم أجندات أجنبية. هو: إيه دليلك على الاتهامات الخطيرة دى؟ وليه ماتقدمهوش مباشرة فى بلاغ رسمى للنائب العام؟ هى: أنا شفت بعينى ماحدش قال لى. كل حاجة حصلت قدامى. هو: شفتى إيه حضرتك؟ يا ريت تحكيلنا من فضلك كل حاجة بالتفصيل. هى: أنا كنت واقفة على كوبرى قصر النيل بالليل لوحدى. ماكانش فيه صريخ ابن يومين. لاحظت إن فيه مراكب صغيرة جاية. وفيها ناس لابسين زى الشرطة المصرية. جريت عليهم علشان أسألهم: إنتو ليه لابسين زى البوليس المصرى؟ قالوا لى: إحنا بلطجية من إيران جايين ندافع عن إخواننا البلطجية المصريين. هو: إيرانيين بس، ولاّ كان فيه جنسيات تانية؟ هى: كان فيه كمان ناس من حزب الله. هو: عرفتى إزاى إنهم من حزب الله؟ هى: عينهم كانت بتطق شرار. هو: وماكانش فيه حد من سوريا بالمرة؟ هى: لأ. الكدب خيبة! أنا ماشفتش سوريين. يمكن جم من عند كوبرى تانى. هو: وبعدين؟ هى: سألتهم: ليه بتعلموا كده فينا؟ هى مصر دى مش برضه دولة إسلامية؟ كل واحد فيهم طلع لى كام رزمة فلوس. باكوهات يا سيدى الفاضل باكوهات! بالدولار والعملة الإيرانية وقالوا لى: علشان دول. وعينك ما تشوف إلا النور. ابتدوا ينزلوا السلاح اللى جايبينه معاهم. هو: كمان كانوا جايين معاهم سلاح؟ المراكب الصغيرة حتساع أسلحة؟ هى: آلى وصناديق ذخيرة وكنابل مسيلة للدموع وبنادق من اللى بتطلق الرصاص المتاتى والخرتوش. هو: عايزة تقولى حاجة تانية، ولاّ خلاص كده؟ هى: أيوه. عايزة أقول كمان إن جد الرئيس الشرعى لمصر السيد مبارك عاملين له ضريح فى كفر مصيلحة عشان هو من الأشراف وتحت إيد الرئيس شهادة بكده. إزاى البلطجية بتوع نكسة 25 يناير مصممين على محاكمة واحد من نسل سيدنا محمد؟ هو: شكرا. ننتقل الآن -عزيزى المشاهد- إلى الزميلة ضحى الزهيرى فى داخل المحكمة. المشهد الغريب ليس من تأليفى، ولا قامت بعرضه إحدى القنوات الكوميدية، أو تلك التى يستخف فيها مقدمو البرامج دم أنفسهم. الجدية المضحكة التى تحدثت بها الضيفة أضفت على الحوار جرعة عالية من الفكاهة. لكنها أوحت لى بأننا نعيش مرحلة تكثر فيها الأقنعة. تعال معى، يا أستاذ قارئ، نحاول أن نعرف طبيعة الموقف الآن. ما الكرنفال أو البلمسكية أو الحفلات التنكرية، كما نحب نحن أن نطلق على هذه الشعيرة الاجتماعية حين تستبد بنا الرغبة فى أن نتحذلق قليلا، إلى أن يتوهم شخص ما أنه اكتشف فى مخطوطة ما أننا اخترعناها -كسائر الأشياء الأخرى- قبل الغرب بمئات السنين؟ أعتقد -أنا شخصيا، ولا أسعى إلى إلزام أحد بوجهة نظرى- أن الكرنفال أو البلمسكية يلبى الحاجة المشروعة لدى الإنسان إلى أن يستريح لدقائق أو ساعات من ذاته الحقيقية، أو ليتقمص بعض الوقت شخصية رجل آخر، ما دام تمنى فى عقله الباطن أن يكونه. لكن الأمر يختلف كثيرا، عندما نشعر بأننا نعيش فى كرنفال بطول الوطن وعرضه. المخلوع يرتدى على السرير الطبى قناع المريض المتهالك، أو عزيز القوم الذى ذل، ليستدر عطف الناس، لكنه فى لحظات أخرى يجارى نجليه فى ارتداء قناع من يمر بأزمة عابرة، لن تلبث أن تنقشع، كسحابة صيف، ليعودوا بعدها سادة مصر بلا منازع. ما الذى يضمن لنا أن هذا الذى نظنه كهربائيا ليس سوى نصاب محترف من الحزب الوطنى المنحل، لا تقبض عليه الشرطة لأنها مجروحة فى كرامتها، ولا تنوى الرجوع قبل أن يركع الشعب عند قدميها طالبا الصفح؟ الشرطة تعاقب الشعب لأنه ثار. ما الذى يضمن لنا أن هذه التى أعطتنا من العواطف المشبوبة فوق ما نتوقعه، ما هى فى الحقيقة سوى عين مدسوسة علينا، وأنها -بالنسبة لمباحث الأمن الوطنى- عنصر نشط، هوايته المفضلة فى هذه الدنيا هى كتابة التقارير؟ مع مراعاة أن الشىء الوحيد الذى تغير فى مباحث أمن الدولة هو اسمها، أشياء أغرب من هذه وقعت مرارا فى حياة كل منا، أو على الأقل قرأنا عنها فى صفحة الحوادث. هناك مستفيدون من العهد البائد بأقنعة الثوار. البلطجية يرتدون أحيانا ملابس ضباط الشرطة، والمخبرون يحرقون سيارات الشرطة ويهاجمون وزارة الداخلية ومديرية أمن الجيزة ليلصقوا التهمة بثوار التحرير. أنا بالطبع من الذين يؤمنون بأن تفسير الواقع من منطق نظرية المؤامرة غلطة فادحة، قد تجعلنا لا نرى الأمور كما هى فى الحقيقة. ليست صحيحة على إطلاقها. إذن هى نظرية المؤامرة، ومع ذلك، فلقد علمنى طول التسكع فى حوارى العالم أن أضع علامة «متخلف عقليا» على اسم كل من يفسرون الواقع من منطق نظرية ال«مصادفة»..!