مليونا جنيه حققها فيلم «شارع الهرم».. أول فيلم فى تاريخ السينما المصرية يحقق مثل هذا الرقم فى أول أيام عرضه.. وهذه ثورة جديدة. المتشائمون راقهم الإقبال المبالغ فيه على فيلم «شارع الهرم».. انزوى كل منهم فى زاويته وردد بينه وبين نفسه: فشلت الثورة، وما زال الذوق العام منحطا. المتفائلون أجزموا بحسم لا يقبل الجدل بأن إيرادات الفيلم تعد مؤشرا مهما لرغبة المصريين فى التخلص من «الهجمة» السلفية التى توشك على اجتياح مصر، واستعانوا بدينا الراقصة كمهدئ لحساسيتهم من السلفيين. المحايدون المتأرجحون بين «خيط الصواب وخيط الخطأ» تحدثوا وحللوا ذوق العامة الذى يتعامل مع الأمر طبقيا، فالفيلم نجح لأن الحرفيين وسائقى الميكروباص والتوك توك يستهويهم ذلك النوع الهابط من الفن، كما تستهويهم بكائيات الأغنيات الشعبية، بينما قال طرف آخر إن الثورة أرهقت الناس وأصابتهم بالاكتئاب ودفعتهم دفعا لا إراديا إلى رقص دينا و«فرفشة» سعد الصغير، وقال آخرون إن نجاح الفيلم تعبير عن ازدواجية شعب يقول إنه متدين بطبعه! جمهور أفلام العيد جمهور يبحث عن المتعة ولا يتمكن من اقتناصها إلا فى ساعتين لا يدفع فيهما كثيرا. حقق فيلم «شارع الهرم» أعلى الإيرادات فى تاريخ السينما المصرية بنسبة 70% من إيراداته فى سينمات وسط البلد والسينمات التى توازيها، و30% من الإيرادات من دور عرض المولات، لأنه أولا حقق لهم متعة مشاهدة الرقص والغناء دون الحاجة إلى الذهاب إلى كباريه، ولأنه جاء بعد أفلام أحبطت الناس حقا بعد الثورة، بعد فيلم «فكك منى» لمجهولين يهذون بلا مبرر النجومية الذى يحتمى به سعد ودينا، ولأنه جاء بعد فيلم «الفيل فى المنديل» بطولة طلعت زكريا رأس الحربة فى الدفاع عن مبارك، والمهاجم الأشرس والأكثر لزوجة وتنطعا بين المعارضين لمهاجميه، ولأنه جاء بعد فيلم ثالث «الفاجومى» عن شاعر ثائر من قبل أن يولد جيل الثورة، فخاب أملهم فى الفيلم. كان «شارع الهرم» هو حائط الصد الوحيد ليعود الناس إلى دور العرض ثانية، آملين فى قادم أفضل من سينما أرقى.. فقط فتح الفيلم باب العودة إلى دور سينما أطفأت أنوارها مدة ثمانية أشهر، مثلما أعاد هنيدى الهيبة إلى شباك التذاكر عام 1997، وإن كان قد أهدر قيمة الفن نفسه. لا فلول ولا ثورة ولا مؤامرة، ولا شعب ليبراليا يتعلق بأطراف ثوب راقصة لينجو من خطر السلفية، ولا متدينين مزدوجى الشخصية.. يلعنون الفن ويقطعون تذكرة مشاهدة أكثر أنواعه فسادا وأقلها قيمة.. إنه ليس أكثر من فيلم رخيص تذكرته رخيصة ومتعة مشاهدته رخيصة لجمهور دائما ما فتش عن المتعة ولم يجدها إلا فى مواسم الأعياد. فيلم «شارع الهرم» ليس تعبيرا عن مصر والمصريين فى مرحلة ما بعد الثورة، لكنه تعبير حقيقى عن الاستخفاف بفكرة المتعة لدى البسطاء التى لم تقرؤها النخبة، والتعالى على شعب كامل بحجة أن فيلما هابطا عرض فى العيد فحقق 7 ملايين جنيه فى خمسة أيام.. قتلت المفاجأة المنظرين فى السينما -وأنا منهم- لكنها أحيت السينما تجارة وصناعة بعد توقف لمدة ثمانية أشهر، وبقى مجهود إحياء فن السينما للمخلصين المؤمنين بالفن والصناعة والتجارة فى السينما معا. جمهور السينما الآن يرغب فى اقتناص متعة مؤقتة وإن تعثر فى فيلم رخيص، لكن شعب مصر يبحث عن حرية يرفل فى متعتها دائما وإن تعثر فى صراعات على صينية فى ميدان.. والاثنان يملكان الأمل ويبذلان جهدا مخلصا لإدارة عجلة الإنتاج فى السينما والشارع، ويتوقعان قريبا نتيجة إخلاصهما.. أفلام بديعة فنيا وحياة كريمة إنسانيا، وهكذا يفكر فريق الحالمين اليقظين.