يجلس في "قصره الأبيض" المبني حديثا بغرفه وقاعاته التي تزيد عن الألف وقد اكتملت خططه لإرساء دعائم رئاسة نافذة قوية.. لكن في ذات اللحظة التي كان يتوقع أن يرى فيها نصرا يتوجه سلطانا على غرار أجداده البائدين، يجد أن نجمه يأفل. ولو أن هناك شعورا واحدا جمع بين الأحزاب التركية المعارضة بعد انتخابات الأحد، فسيكون صدى لكلمة "لا" لحملة الرئيس رجب طيب أردوغان من أجل تمهيد الساحة السياسية لإنشاء تركيا الحديثة كما يراها بنظامها الجمهوري. ولا يزال حزب العدالة والتنمية الذي أسسه أردوغان عام 2001 الحزب الأكبر على الإطلاق لكنه فقد لأول مرة منذ 13 عاما أغلبيته المطلقة وعجز عن تحقيق أغلبية الثلثين التي يحتاجها لتعديل الدستور. ولاح شبح التحالف لرجل لم يألف الحلول الوسط. ولكن الرجل يجد نفسه الآن وهو جالس قصرع المرفه الخالي من "الصراصير" عما قال مسبقا، في مأرق حقيقي من أجل إيجاد حل لتشكيل الحكومة، التي ما يبدو مضطرة فيها للتعاون مع أحد الأعداء، وعليه أن يجد حزبا من الثلاثة الممثلين في البرلمان ليدخل معه في تشكيل حكومة ائتلافية. ونحن في صدد الإعراج لتاريخ الحكومات الائتلافية في تركيا. كثيرا ما عانا الأتراك من الحكومات الائتلافية أغلب عقد السبعينيات شكلت دافعا للقوات المسلحة التركية للتدخل فى الحياة السياسية في 12 سبتمبر عام 1980، وتسلم قيادة البلاد وإعلان حالة الطوارئ وحل الحكومة الائتلافية برئاسة سليمان ديميرل التى فقدت السيطرة على البلاد، ووصول الأمر لمرحلة خطيرة من الفوضى بين التيارات اليمينية واليسارية. وبالفعل، أفرزت أول انتخابات أجريت بعد الانقلاب، عام 1983، حكومة أغلبية، شكلها حزب الوطن الأم منفردا، غير أن الحكومات الائتلافية عادت للحياة السياسية أكثر من مرة، بعد ذلك. فبعد انتخابات عامي 1983 و1987، عادت البلاد إلى عهد الائتلافات عام 1991، حيث شكل حزب الطريق المستقيم بزعامة سليمان ديميرل (الحاصل على 178 مقعدا) ائتلافا مع حزب الشعب الديمقراطي الاشتراكي بزعامة أردال إينونو (الحائز على 88 مقعدا). وبعد انتخابات 1995، شُكل ائتلاف حكومي بين حزب الرفاه بزعامة نجم الدين أربكان (158 مقعدا) وحزب الطريق القويم، بزعامة تانسو تشيلر (135 مقعدا)، لكنه لم يدم طويلا، إذ أزيح من السلطة بانقلاب ناعم في 28 فبراير 1997. وفي 1997، شكل حزب اليسار الديمقراطي بزعامة بولنت أجاويد (136 مقعدا) حكومة ائتلافية مع حزب العمل القومي (129 مقعدا) وحزب الوطن الأم، ثم عادت حكومات الحزب الواحد للبلاد، إثر وصول حزب العدالة والتنمية للسلطة فى 2002، وفوزه فى انتخابات 2007 و2011، قبل أن يفشل فى تأمين الأغلبية المطلقة فى انتخابات، أمس الأول، ويفتح الباب أمام عودة الائتلافات مرة أخرى. وبصفة عامة، تتسم فترات تولى الحكومات الائتلافية، تركيا، بتراجع مستوى الاستقرار السياسى، وأحيانا الجمود، والفشل فى تمرير إصلاحات أو قوانين مهمة.