«الخاطبة بتاعة أهل زمان.. اللى جرابها دايما مليان.. بصور فتيات.. وصور فتيان.. غُرَبَا وبتخليهم قُرَبَا «.. لم أتصور يوما أثناء مشاهدتى لفوازير «الخاطبة» لنيللى بعد الإفطار فى رمضان زمان -حيث كنت لا أزال طفلا بريئا ومغفلا صغيرا وغضا غريرا وحيث كان رمضان أيضا لا يزال شهرا مميزا- أن يثير إسترجاع تلك الكلمات من تتر بداية الفوازير بداخلى كل هذا الشجن والحزن والحنين.. لم أتصور يوما أن تتحول بهجة تلك الفوازير البسيطة منعدمة الإمكانات تقريبا (بالمقارنة بإمكانات دلوقت) إلى ذلك الشعور العميق بالأسى.. الأسى على طعم رمضان الذى أصبح مثله مثل طعم الخيار والطماطم بتوع اليومين دول.. مجرد بلاستيك ملون.. الأسى على إفتقاد تلك الشخصيات الكارتونية الجميلة.. «فُلَّة» وأمها «ما شاء الله» وأبوها «حسب الله».. وهم أفراد العائلة التى كانت نيللى تذهب إليهم كل يوم بعريس.. مطلوب منهم معرفة مهنته.. وطبعا ما كانوش بيعرفوا.. لتنتهى الفزورة بجملة «حسب الله الشهيرة».. «الجوازة دى مش لازم تتم».. لتبكى «فلة» وهى تأوَّأ وتقول.. «باحبه يا بابا.. عاااااااا»! «معلهشى.. معلهشى.. إيه يعنى ما عرفتهشى.. حانزل أجيبلك سيد سيده.. فستانى ما تشديهشى «.. هكذا كان يبدأ تتر الختام.. أما بقى عن نهايته.. فهى الكلمة التى كان الجميع ينتظرونها أيامها من الدلوعة دوما نيللى.. «هنروَّح؟!.. تيِّب»! نيللى الجميلة.. الإسم الذى كان يعنى أن رمضان بجد قد جاء.. بوسة كبيييييرة! ▪ ▪ ▪ لن تعلم على وجه التحديد ما هو السر الحقيقى وراء مأساوية حياة «شريهان».. كل ما سوف تعلمه أن هناك غلالة من الحزن والأسى تحيط بها وبأحداث حياتها المختلفة دوما.. حالة غريبة ومتناقضة تجلل هامة حياتها باستمرار من الجمع بين شعورين.. الشعور بامتلاك كل شىء.. الشهرة والموهبة الحقيقية والنجومية والمال وحب الجماهير.. المصحوب بشعور عدم إمتلاك أى شىء.. إنها اللعنة التى تصيب جميع الموهوبين فى مجالاتهم عموما.. الشعور فى وقت معين من أوقات الحياه بالعبث واللا جدوى.. إنها اللعنة التى كان طبيعيا جدا أن تصيب فتاه مثل «شريهان».. فنانة موهوبة بالفطرة.. ترقص وتغنى وتمثل.. تراجيدية وكوميدية واستعراضية.. جميلة ترتدى البكينى على حمام السباحة.. وصعيدية ترتدى ملابس سوداء وتصرخ بينما زوجها يضربها باللى فى رجله.. إنها الأميرة «وردشان» التى أحبت الفقير «ماندو» ابن الزبال «تمبال» وزوجته «زمارة».. والتى ثبتتنا فى آخر يوم من أيام رمضان 1986 أمام التليفزيونات فى إنتظار ما سوف يحدث فى الحلقة الأخيرة من ألف ليلة وليلة.. وهل ستستطيع الزواج من حبيبها أم لا.. سلام لتلك الأيام الجميلة التى لا زلت عاجزا حتى الآن عن معرفة سر جمالها على الرغم من افتقارها إلى كل الأوبشانات التى نمتلكها الآن.. يبدو أنه بالفعل كلما امتلك الإنسان أشياءا أكثر كلما زاد شعوره أكثر بعدم إمتلاك أى شىء على الإطلاق! ▪ ▪ ▪ «فطوطة.. مخرج أنتيكا.. اتعلم سينما فى امريكا.. يرقص تانجو وشيكا شيكا بيكا.. هو وسمورة عاملين فابريكة.. تنتج أفلام الفزورة.. لنجوم الفن المشهورة.. فطوطة».. إنه فطوطة.. الاسم الذى كان يعنى فى عام 1983 أن رمضان بالفعل قد جاء.. إنه فطوطة.. اللوجو الرئيسى والمميز لرمضان على مدار 3 سنوات متتابعة كان أثنائهم هو النجم الأوحد والأول والأكثر احتلالا لأغلفة مجلات الإذاعة والتليفزيون والكواكب.. حيث كانت أخباره وأخبار كام حلقة إتصورت لحد دلوقتى وكام حلقة ما اتصورتش هى فاكهة الصفحات الفنية فى جميع الجرائد والمجلات.. وقتها وصلت نجوميته إلى إحتلال أغلفة الكراسات والكشاكيل الدراسية مثله مثل مايكل جاكسون وسامانتا فوكس وسلفستر ستالونى ومادونا.. ولأول مرة على شاشات التليفزيون المصرى سمحت لنا فوازير فطوطة بمشاهدة الراقصات الروسيات كبديل عن ذلك العجن الذى كانت تتكفل به مثيلاتهن المصريات أيامها! عزيزى فطوطة.. لقد أحببناك كثيرا ببدلتك الخضراء المهرولة وحذائك الأصفر الضخم وشعرك الكانيش.. ونحن إن كنا نفتقدك.. فإن عزائنا الوحيد فى ذلك الإفتقاد هو أننا قد افتقدنا رمضان بذات نفسه.. يبقى مش حنفتقدك أنت؟