بات الطريق مفتوحًا نحو حيفا ويافا.. جز آرئيل شارون على أسنانه في اجتماعه المغلق مع شريكي العصابة إسحق رابين ورحبعان زئيفى.. يدور داخل الغرفة بزي الهجانة على مدار ساعات حتى اجتمع الرأي أن بقاء المدينتين بيد العرب كارثة لمشروع الصهيوني.. أُلقي الخطاب على عشرة آلاف مقاتل صهيوني هم قوام الهجانة وقتها.. فتأهب الجمع المنتشي بانتصاراته في أرجاء فلسطين العربية صوب حيفا.. وبالفعل، في نكبة عام 1948، وتحديدا يوم 22 إبريل ذبحت عصابات الصهاينة مئات المواطنين العرب في مشهد أشبه بالمذابح المروعة في السينما، وطُرِد وهُجِّر غالبيّة سكان حيفا العرب منها، فاستحالوا لاجئين حيث لم يسمح إلا للقليل منهم بالعودة إلى مدينتهم، في حين صادرت عصابات الهجانة البيوت العربية التي هجرت من أهلها. اعتبرت القيادات الصهيونية السياسية والعسكرية أن بقاء مدينتي يافا وحيفا بيد العرب كارثة كبرى للمشروع الصهيوني، لذا فإن تصفية هاتين المدينتين هو في حد ذاته مساهمة كبيرة في نجاح هذا المشروع، وبالتالي يؤدي إلى إضعاف أي محاولة فلسطينية لإعادة بناء المدينة من جديد، وبمعنى آخر فإن تصفية حيفا ويافا هو في حد ذاته تصفية للحياة المدينية الفلسطينية، وتحويل الفلسطينيين في هاتين المدينتين والقرى المحيطة بهما إلى لاجئين ومشردين بعيدين عن مراكز القرار وصنعه وتأثيره. رعت بلدية حيفا برئاسة شبتاي ليفي ونائبه أبا حوشي - وهو من قياديي الهجانة وصاحب علاقة مع العرب في المدينة وخارجها - بهدم مئات البيوت والمباني العربية في معظم الأحياء العربية التي استولت عليها عصابة رابين وشارون وذلك من منطلق منع عودة الحيفاويين إلى مدينتهم، كما تم أيضًا هدم الحسبة بكاملها وهي المنطقة التي كانت الملجأ الأمين لأهالي حيفا العرب. كانت الحسبة قريبة من بوابة الميناء، لذا فمع القصف زحفت الجموع الغفيرة من الحسبة باتجاه الميناء، واعتبر اليهود طرد الفلسطينيين فرصة ذهبية لتحويل حيفا من مدينة عربية إلى مدينة يهودية شكلاً ومضمونًا، وأصدر بن غوريون أوامره بعدم هدم الأماكن المقدسة لإظهار احترام اليهود لها، بالإضافة إلى كل ذلك، فلم يتم بناء أي حي عربي جديد في حيفا منذ 1948، في حين تمّ بناء المئات من الأحياء اليهودية. نشأة عصابات الهجانة أثناء الانتداب البريطانى على أرض فلسطين وتوالى هجرة اليهود إلى أرض المقدس ومع قيام الثورة العربية فى فلسطين عام 1920 تأكد لليهود أن السلطة البريطانية وحدها غيرقادرة على إكفال الحماية الكاملة للمستوطنين اليهود وممتلكاتهم وبقاءهم على "أرض الميعاد". واهتزت ثقة الزعماء اليهود فى قدرة منظمة هاشومير (منظمة صهيونية بريطانية لحماية اليهود)، مما اضطرهم لإنشاء جهاز عسكرى خاص بإسرائيل لحماية المهاجرين و ممتلكاتهم، فقاموا فى يونيو 1921 بانشاء منظمة جديدة تحل محل الهاشومير اطلقوا عليها اسم منظمة (الهاجاناه) وهى ذات تجهيزات وقدرات اعلى من الهاشومير. ماذا تعني الهجانة؟ الهجانة تعنى بالعبرية الدفاع، وكانت تنادى بحرية إسرائيل وكانت توصف بأنها تكتل عسكرى إرهابى وبلغت من قدراتها ومهامها ما جعلها حجرالأساس للجيش الإسرائيلى الحالى. كانت فى بداية أعوامها التسعة الأولى قادرة على حفظ الأمن والأمان للشعب الصهيونى الجديد، وكانت تدارمن قبل إدارة مدنية يتزعمها يسرائيل جاليلى، وما إن اشتعلت فى عام 1929 الثورة العربية والتى خلفت حوالى 130 قتيلا صهيونيا حتى انضم إلى المنظمة الآلاف من الشباب الصهيونى المتطرف وشرعوا فى استيراد السلاح من الخارج وإنشاء الورش لصناعة القنابل اليدوية والمعدات العسكرية الخفيفة وتحول إلى جيش نظامى فعلي بعد أن كانت مجرد ميليشيات ذات تدريب بدائى. 1936.. المواجهة مع الثوار الفلسطينيين فى عام 1936 بلغ عدد مقاتلى الهجانة حوالى 10000مقاتل بالإضافة إلى 40000 من قوات الاحتياط الاسرائيلي، وخلال ثورة 1936 أقدمت عصابة الهجانة على حماية المصالح البريطانية فى فلسطين وقمع الثوار الفلسطينين، ذلك على الرغم من عدم اعتراف القيادة البريطانية بالهجانة إلا أن الجيش البريطانى أبدى تعاونا كبيرا فى أمور القتال والتأمين. بريطانيا والهجانة.. الجفاء فى السنوات الأولى من الحرب العالمية الثانية خشيت بريطانيا من توغل قوات المحور فى الشمال الأفريقى مما دعاها إلى التماس التعاون مع عصابة الهجانة، ولكن هزيمة رومل فى معركة العلمين 1942 جعلت البريطانيين يتراجعون خطوة إلى الوراء بخصوص التعاون مع تلك عصابة. وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية قامت الهجانة بحملة مناهضة لدولة بريطانيا، فقامت بإطلاق سراح اليهود المهاجرين بالقوة بعد أن احتجزتهم القوات البريطانية في معسكر عتليت، وقامت بنسف سكك الحديد بالمتفجرات، ونظّمت حملة هجمات تخريبية استهدفت مواقع الرادار ومراكز الشرطة البريطانية في فلسطينالمحتلة، بالإضافة إلى ذلك استمرار منظمة الهجانة بتنظيم الهجرات اليهودية غير المشروعة إلى فلسطين، وكذا قامت بمذابح ضد المدنيين الفلسطينيين بغرض إجلائهم من المدن والقرى الفلسطينية لتقام المستوطنات على أنقاضها. التحول لجيش الدفاع الإسرائيلي فى 28 مايو 1948 أعلنت الحكومة الإسرائيلية المؤقتة عن إنشاء جيش لإسرائيل يسمى جيش الدفاع الاسرائيلى، ويتولى مهمة الهجانة فى الدفاع عن المواطنين وتولى مهمة فرض الأمن والأمان، ومنعت الحكومة المؤقتة أى تشكيلات أخرى بخلاف القوة الإسرائيلية مما أدى لحدوث خلافات بين الأرجونز والهجانة انتهى الأمر بإلقاء الأرجونز للسلاح وتأسيسهم لحزب "حيروت".