انتهت القمة العربية باعتماد مبدأ القوة العربية المشتركة لتكون إحدى آليات الجامعة العربية أو ذراعها العسكرى، بعد أيام من اختبار شكل من أشكال العمل العسكرى العربى المشترك فى اليمن. الإعلام العربى والمصرى تحديداً استغرق فى تسويق المسألة بمنطق الإحتفاء والتمجيد باعتبار ما جرى انجاز وتحول فى السياسات العربية وفى ذلك قدر معتبر من الصحة، أو بالبحث عن التفاصيل الفنية، مقر هذه القوة، حجم تشكيلها وتسليحها وتمويلها وقيادتها، وفى الطريق خلق جدل حول مساحة الأدوار خصوصا بين مصر والسعودية. المؤكد إننى لست وحدى الذى يعتبر كل هذا الجدل قفزاً على أساسيات كثيرة كان لابد من حسمها أولاً، حتى نستطيع أن نقول إن لدينا قوة مشتركة، أولها الرؤية أو الفلسفة من وراء هذه القوة، ولأننى أومن أن السياسة تسبق كل شىء وكل شىء يخضع لها أو لابد له كذلك حتى التحالفات العسكرية، فمن هنا أطرح هذه الأسئلة: ما هى الرؤية السياسية الذى اتفق عليها العرب فيما يخص عمل القوة المشتركة؟ بمعنى هل هى قوة دائمة أم مؤقتة؟ تتجاوز العملية العسكرية فى اليمن أم تكتفى بها؟ قبل أن تنشغل بإجابات يمكن أن تنظر ببساطة على الملفات التى تعتقد أنها يمكن أن تكون مسرحاً لعمليات هذه القوة، فى اليمن التى تمثل أعلى درجة توافق سياسى بمعيار الأكثرية تجد تحالفاً واسعاً سياسياً وعسكرياً رغم تحفظات دول مثل العراق والجزائر، وعدم وضوح مواقف دول أخرى كالمغرب وتونس، وحياد دول آخرى كسلطنة عمان، والخلاف على الأهداف والسياسات بين أطراف مشاركة فى التحالف. لنتخيل أن التحرك السعودى تجاه اليمن لم يحدث، ومطلوب من الرياض الآن أن تطلب من القوة العربية المشتركة التدخل، كيف سيحسم هذا القرار وسط هذا التباين فى الرؤى؟ تعال داخل تحالف اليمن نفسه، هل موقف الحلفاء من ليبيا مشتركاً، مصر والامارات يؤيدون التدخل، وقطر والسودان والجزائر يرفضون، والسعودية تتحفظ، هل هذا يعنى إن القوة المشتركة لن تشارك فى أى عمليات فى ليبيا، بمعنى إن أى تحرك عسكرى نحو ليبيا مطلوب منه أن ينتظر التوافق أو تتحرك فيه مصر بمن حضر مثلما فعلت السعودية فى اليمن. وفى سوريا تؤيد دول الخليج التدخل، وتتحفظ مصر التى تفضل عملية سياسة بلا شروط مسبقة ولا إقصاء للنظام، كذلك الموقف فى العراق وفى لبنان، وحتى الموقف من إسرائيل محل تباين كبير بين دول ملتزمة بمعاهدات معلنة، ودول ملتزمة بعلاقات وثيقة غير معلنة، ودول متمسكة بعداء معلن. ما هو مستقبل القوة العربية المشتركة إذن؟ مثلها مثل كل آليات الجامعة العربية المعطلة عملياً بسبب غياب التوافق، حسناً هل نحتاج لبناء القوة المشتركة أولاً، أم بناء الموقف المشترك؟ العربة أم الحصان؟ كيف يمكن بناء تحالف عسكرى واسع مطلوب منه الاستدامة والجهوزية دون انشغال بصياغة مفهوم محدد للأمن العربى ومحددات واضحة لهذا المفهوم، نعرف منها كيف يكون التدخل واجباً عربياً مشتركاً، وكيف يكون مغامرة خاصة تحركها مصالح أو تنافس أو حتى وكالة مباشرة لسياسات القوى الدولية. هل يمكن اعتبار اليمن أول مسرح عمليات للقوة المشتركة التى لم تتأسس تفصيليا بعد، ولم يجتمع رؤساء أركان الجيوش المشتركة لحسم المسائل الإجرائية؟ أم الأفضل اعتباره مجرد تحالف فى عملية عسكرية تلاقى فيها الحد المناسب للتوافق؟ ما عمل هذه القوة المشتركة بعد اليمن؟ هل ستتعامل بمنطق من حضر، بمعنى أن تعلن أى دولة تجد أمامها وفق رؤيتها ومفومها ما يستدعى التدخل فى دولة آخرى، قرارها بالتدخل وتطلق نداء :"على الدول الراغبة فى مشاركتنا التدخل تجهيز القوات والتجمع عند الحدود"! لا مستقبل لهذه القوة العربية المشتركة، ما لم يسبق بنائها بناء غطاء سياسى مشترك على الأقل فى الخطوط العامة والمفاهيم، ويبين بوضوح إن كان هناك ثمة فوارق بين اليمن وسوريا وليبيا، وما هى هذه الفوارق التى تجعل دولا مشاركة فى هذه القوة ترى التدخل مقبولاً هنا ومرفوضاً هناك. دون تجهيز حصان السياسة لا قيمة لبناء عربة القوة، ووضعها بحماس وسط تهليل إعلامى غير مسبوق أمام الحصان.