قلوب طيبة، وجوه باسمة، عيون دامعة، تقبعن في زنازين القدر في غياهب السجون، يحاولن تخطي الصعاب وعبور سنوات، تحبس أنفاسهن قبل أجسادهن. هكذا حال الغارمات في السجون، اللاتي يقضين عقوبات بالسجن، بسبب ديون تراكمت عليهن، مع ظروف قاتمة عصفت بحلم سدادها. مؤسسة "مصر الخير" نظمت احتفالية كبرى في إطار برنامج "الأم المصرية 2015" تكريم الأمهات الغارمات، بحضور الدكتور علي جمعة، رئيس مجلس أمناء مؤسسة مصر الخير، وعددٍ من قيادات الدولة. وخلال اللقاء، رصدت "التحرير" حكايات من بين هؤلاء السيدات، محاولةً فرض عدسة الاهتمام على بعمل عدد من اللقاءات الخاصة معهم لترصد قصصهم المأساوية. هويدا: خسرت وظيفتي وسمعتي علشان أكمل فرح بنتي هويدا عبد الحميد مصطفى، سيدة خمسينية، وجه بيضاوي بائس، يغلب عليه الأصفرار جراء حزنها الذى دام عام كامل، وهي حبيسة جدران السجن، بعيون محتقنة بالدموع، ضحَّت بمستقبلها من أجل استكمال فرحة ابنتها. "هويدا" كانت تعمل إدارية بالتربية والتعليم بمحافظة الدقهلية، قبل أن يتم وقفها عن العمل، وأزمتها تعود إلى تراكم الديون عندما كانت تجهز ابنتها من أجل عرسها، حيث أجبرتها الحالة الاقتصادية المتدنية والصعبة على شراء أجهزة كهربائية مقابل "إيصالات أمانة". "جوزي مكنش يقدر على كل المصاريف دي لوحده، كان لازم أقف جمبه"، هكذا استهلت صاحبة الوجه الشاحب حديثها ل"التحرير"، مشيرةً إلى أنَّ زوجها "أحمد عبد السلام" كان موظفًا بالإدارة التعليمية، وكان لابد أن يضحي أحدهما من أجل مستقبل الأبناء، وفق قولها، فأقدمت هي على التضحية، دون أن تعلم مصيرها، مؤكدةً أنها رفضت أن يوقع زوجها على إيصالات الأمانة، خشية وقوعه في مكروه، ما يلحق ضررًا بالأبناء. "هويدا" قالت بدموع محرقة: "بعد ما عجزنا على سداد ثمن الأدوات الكهربائية، قدَّم صاحب المحل الإيصالات للمحكمة، وبقت الشرطة كل شوية تيجي عندنا في المنطقة، وبسبب كده المدرسة قررت فصلي، علشان سمعتى اللي بقت في الحضيض". 20 ألف جنيه هي قيمة ديون "هويدا"، ودفعتها مؤسسة "مصر الخير" من أجل فك سجنها، وقالت، وهي كادت أن يغشى عليها من كثرة البكاء: "أصعب اللحظات اللي مرت عليَّا لما كنت بقعد بين أربع حيطان في السجن وبفتكر مكانتي الاجتماعية بره وأنا كنت فين وبقيت فين، من موظفة لمسجونة وقفوفها عن العمل علشان ضحت بنفسها علشان تستر عيالها". "كنت باتمنى الموت لما بيجي ميعاد الزيارة"، هذا هو حال "هويدا"، عند رؤيتها لأولادها، وتستكمل حديثها قائلةً: "نفسي ربنا ياخدني ويريحني من العذاب اللي أنا فيه ده". هويدا: ضمنت أخويا واتحبست ومراته قالتلي ماليش دعوة وجه أسمر باسم، برغم ماعانته من آلام وصدمات حياتية إلا أنها مازالت صامدة، لسان حالها شاكر المولى على نعمته عليها وقضائه، قلبها الدافئ كان سببًا في حبسها. "هويدا محمد علي"، سيدة في العقد الرابع من عمرها، ملامح وجهها أعطى لها عمرًا يفوق سنها الحقيقي لما لاقته من آلام وشقاء. "ضمنت أخويا علشان يكمل فرح بنته فمات واتحبست بداله"، هكذا بدأت هويدا حديثها ل"التحرير"، وبدأت تسرد قائلة: "أخويا جالي في يوم وقالي عاوز افرح ببنتي ومش معايا اللي يكفيني علشان جوزت البنات، صِعب عليا وقولت أضمنه ويجيب حاجة البنت علشان فرحها". وأضافت: "بعد ما جاب حاجة العروسة وتم الفرح على خير مات، ومقدرتش أسد الديون اللي وصلت ل 28 ألف جنيه فاتحبست ولما قولت لمراته ساعديني بأي فلوس قالتلي ماليش دعوة ده أخوكي". وتابعت بعيون دامعة: "مكونتش متوقعة أن أهلي وأهل جوزي يبعوني كده مفيش حد منهم خالص وقف جبمي". 18 سنة هي مدة حبس السيدة الأربعينية، قضت منها 14 عامًا خلف القضبان، لا تجد سوى كتاب الله خير جليس لها، بعدما تخلى عنها ذووها، وأصبحت تعايش الأمر الواقع بالقول: "حسبنا الله ونعم الوكيل".