منذ أكثر من أسبوع مضى فاجأنا الدكتور عطية عبد الموجود، أستاذ الشريعة بجامعة الأزهر، بفتوى «يحل للرئيس عبد الفتاح السيسى أن يفقأ عيون المصريين إن كان يتفقَّد فى ذلك شرع الله ويستند فى عمله إلى كتاب الله وسنة نبيه محمد (صلى الله عليه وسلم)»، وأضاف عبد الموجود، خلال مداخلة هاتفية مع إحدى الإعلاميات، أن «حديث فقء الأعين وتقطيع الأرجل والأيدى، موجود فى كتاب الإمام البخارى»، مؤكدًا أن «ذلك أُجيز فى حق مَن فعلوا الأمر والمنكر نفسه من خيرة قراء المسلمين فى عهد النبى، صلى الله عليه وسلم». إن هذه الفتوى هى فتوى داعشية بامتياز، فعلى ما يبدو كلما ارتفعت وتيرة المذابح والمجازر الداعشية كلما ارتفعت وتيرة الفتاوى الأزهرية لتضاهيها، وذلك من أجل أن يسوغ تصرفات الدولة ويصبغ عليها الشرعية. هذا المنطق هو الذى قتل فرج فودة، وأدَّى إلى محاولة اغتيال نجيب محفوظ، وتكفير نصر حامد أبو زيد والتفريق بينه وبين زوجته، وهو إشارة صريحة إلى إهدار دمه باعتباره مرتدًّا عن الإسلام. إن الدعوة لتجديد الخطاب الدينى باتت حاسمة. إن تاريخ الفقه الإسلامى خلال القرون الماضية هذا الفقه الذى أسهم فيه بشر مثلنا ما هو إلا محاولة دؤوبة لتجديد الخطاب الدينى بما يوافق ظروف البشر المتغيّرة. إننا لا نقصد بالتجديد حدود المظهر، بل تفكيك وبناء جوهر هذا الخطاب. يجب فك علاقة التبعية والتحالف بين سلطة الفكر الدينى السلفى والسلطة السياسية، فسلطة الفكر الدينى يجب أن تتحرَّر من تبرير وتسويغ كل ما يفعله النظام السياسى، وإن معارضة هذا النظام هى معارضة للمشيئة الإلهية، مستخدمة فى ذلك النصوص القرآنية والأحاديث التى تبرر فتواها وتدعم التطرف والعنف، وإذا كان الفكر الوسطى المعتدل (الأزهر) يجيز للحاكم فقء العيون، فما بالنا بالفكر المتطرّف، ففى حقيقة الأمر إن الفوارق بينهما فوارق طفيفة. وسيظل شعار الدين لله والوطن للجميع الذى يعنى فصل الدين عن الدولة، والذى رُفع فى ثورة 1919 هو شعار جوهرى، لأنه يؤدّى إلى منع رجال الفكر الدينى من التعامل مع أنفسهم، إنهم وسطاء الله فى الأرض، وسيمنع السلطة السياسية من ابتزاز الشعب والاستبداد به عن طريق استخدامها السلطة الدينية وما أكثر الفقهاء الموالين للسلطة. إن هذا الخطاب هو خطاب داعشى يدعم التخلُّف ويحضّ على التطرف، ولا يلبّى احتياجات التقدُّم والتفكير العلمى واحتياجات التطور الاجتماعى والاقتصادى والعلمى والثقافى. إن الحضارة الإسلامية فى العصور الوسطى ازدهرت، لأنها كانت تعلى من شأن العقل والحرية، بينما كانت أوروبا تغرق فى الظلام، وعندما بدأ توظيف الدين لصالح السلاطين والاستبداد السياسى، تخلَّفنا بينما تقدَّم الآخرون. لقد كسح التيار المحافظ محاولات التجديد التى دعا إليها الأفغانى ومحمد عبده، وهدمها من الداخل عن طريق الشيخ محمد رضا، مما أسفر عنه حركة الإخوان المسلمين حسن البنا، سيد قطب ، والتى بدورها أنتجت الجماعات الإسلامية التكفيرية المتطرفة أيمن الظواهرى ، ثم تطوَّرت إلى الدولة الإسلامية فى العراق وسوريا داعش ، ومثلما النظم السياسية بحاجة دائمًا إلى مراجعة عقائدها وأفكارها ومراجعة أعمالها، فإن الهياكل والنظم الدينية تحتاج إلى ذلك. لا أن يقتصر دورها على صياغة فلسفة سياسية تلائم مطالب مجموعة حاكمة وتبرر سلوكها.