بلّغوها إذا أتيتم حماها أنّني مت في الغرام فداها وأذكروني لها بكل جميل فعساها تبكي علي عساها وأصحبوها لتربتي، فعظامي تشتهي أن تدوسها قدماها هكذا شدا بشارة الخوري لمحبوبته الغائبة، ومنها التقط الضابط الأردني خيوط كلماتها وهو قابعٌ في قفصه الحديدي كعصفور بلّله الغرق في إنتظار أن تطلق عليه رصاصة الرحمة. تهادت إليه نيران سفراء جهنم وهو في قفصه يناجي ربه:"اللهم أنك أقدرت بعض خلقك على السحر والشر ولكنك احتفظت لذاتك بإذن الضر فأعوذ بما احتفظت به على ما أقدرت عليه بحق قولك، وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله". رحلة السقوط في صباح يوم الأربعاء 24 ديسمبر 2014 في أثناء طلعة جوية لقوات التحالف ضد مواقع "داعش" كان الطيار معاذ الكساسبة قائدًا لإحدى المقاتلات في سرب قوات التحالف، ثم سقطت طائرته وهي مقاتلة من طراز إف - 16 في محافظة الرّقة شمالي سوريا وقبل الإرتطام قذف الكساسبة نفسه من الطائرة وبقي معلقًا في المظلة إلى أن هبط في منطقة مائية تسيطر عليها قوات التنظيم الإرهابي، ووقع الطيار الأردني رهينة في أيدي التنظيم بعد أن أَسرَته. مولده ومعاذ مولود في محافظة الكرك جنوبي الأردن، في 29 مايو عام 1988 لأب عمل مدير مدرسة في تربية قصبة الكرك وأم امتهنت التعليم أيضًا، أنهى دراسته الثانوية في الكرك ثم إلتحق بكلية الحسين الملكية للطيران الحربي وتخرّج منها عام 2009، معاذ الكساسبة من عشائر البرارشة من عي جنوبي غرب محافظة الكرك ويسكن في الكرك، حيث تزوج في سبتمبر 2014 من المهندسة أنوار يوسف الطراونة. مفاوضات ورهائن بدأت الحكومة الأردنية بإجراء مفاوضات غير مباشرة لاطلاق سراح الطيار مقابل إطلاق سراح ساجدة الريشاوي، المتهمة بتفجيرات عمان في 9 نوفمبر 2005، لكن الدولة الاسلامية عرضت أن تسلم الرهينة الياباني الثاني كينجي غوتو الذي قامت "داعش" بإعدامه في نهاية يناير الماضي، وطلبت السلطات الأردنية إعطاء دليل على سلامة الطيار الكساسبة، لكن لم يتم ذلك، ثم تم إعدام الرهينة الياباني الثاني واستمرت المفاوضات السرية حتى اللحظة الأخيرة في 3 فبراير 2015. معاذ .. من التحليق إلى الحريق جلس القرفصاء يبتهل إلى الله عز وجل بأن يُحْسن خاتمته، وهو على شفا حفرة من نيران عناصر داعش التي كبلت الطيار الأردني في قفص حديدي أوصدت جنباته بقوة، وأضرمت النيران على الكساسبة الذي رفع أكفّ الضراعة داعيًا ربّه: أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ ، ليُسْمع بعدها صوت الكساسبة، في شريط فيديو متلّفز، طقطقة عظامه وهو يصيح بقوة داخل قفص النار ، ليترك العالم العربي والمجتمع الدولي ساهرًا ليلته ولم يزره النوم حزنًا علي الشاب الذي قارب على العقد الثالث، تاركًا خلفه أسرة صغيرة وأب وأم تجرّعت ويلات حزنها على ابنها الذي ربّته وعلّمته وسهرت من أجله لتراه يئن صدره داخل قفص النار كالعصفور على أسياخ الشواء ..!