بعضنا يقوم بأشياء بغيضة قد تضر بالآخرين دون أن نفهم السبب في ذلك؛ فقد تجد أشخاصًا يستمتعون بتعذيب الآخرين أو مجرد إزعاجهم بطريقة ما، دون أن تجد سببًا يبرر تصرفاتهم تلك، كما يتصف بعضنا بعدد من الصفات غير المحببة كالأنانية والقسوة والمراوغة وغيرها؛ إلا أن جميع هذه الأشياء لها بالتأكيد تفسير علمي. وحاول عالم النفس "ديلروي بولهوس"، الباحث بجامعة "كولومبيا"، تفسير تلك الجوانب من الشخصيات التي اعتبرها "مظلمة"، متساءلًا: لماذا يجد بعض الأشخاص متعة في استخدام القسوة مع الآخرين؟، مشيرًا إلى أن معظم هؤلاء لا ينتمون إلى المرضى النفسيين أو القتلة، ولكنهم قد يشغلون مناصب سياسية كبرى، أو ينتمون إلى رجال الشرطة، وفقًا لما ذكره موقع "بي بي سي". ويقول "بولهوس": "نسعى لتبسيط العالم إلى الأشخاص العاديين، سواء كان الواقع سيئًا أو جيدًا"، وبدأ العالم البريطاني بدراسة الأشخاص النرجسيين، والذين لديهم قدر عال من الأنانية وحب الذات، وتوصل إلى أن هؤلاء الأشخاص لديهم ارتباط وثيق بميول أخرى سيئة، وهي "الميكيافيلية"، والتي تعني التلاعب والمراوغة، وكذلك السيكوباتية أو العته العقلي، واستخلص أن هذه الصفات الثلاثة تشكل مجتمعة ما أسماه ب"الثالوث المظلم" أو "الضربة الثلاثية للقبح". والشيء الغريب الذي توصل إليه "بولهوس"، هو أن هؤلاء الأشخاص، وعلى غير المتوقع، يتميزون بالصراحة؛ حيث أنهم أجابوا بعبارات واضحة قاسية كان أبرزها: "أحب استبداد الضعفاء"، ومن الأفضل أن لا تقول لي أسرارك"، موضحًا أن تلك النزعات المكيافيلية والسيكوباتية تجعلهم أكثر ميلًا لخيانة أزواجهم. وعن التفسير العلمي لحالة هؤلاء الأشخاص النرجسيون؛ يقول "بولهوس: "الحياة اليومية لهؤلاء الأشخاص غريبة جدًا؛ فهم يحاولون السيطرة على حياتهم اليومية بدرجة كبيرة حتى لا يضعون أنفسهم في ورطة، وهذا يفسر كونهم أنانيين، كما أنهم يسلكون جميع الطرق التي تعزز الأنا الخاصة بهم، وغالبًا ما يحاولون الظهور بشكل الشخص الواعي بكل ما يدور حوله وأنه يعرف كل ما يحدث في العالم، وهو ما يجعلهم أشخاصًا إيجابيين في وجهة نظرهم الخاصة". وفتح "بولهوس" مرة أخرى نافذة على العقول المظلمة للإجابة عن بعض صفات الشخص السيء، متساءلًا: هل يولد الشخص شريرًا؟؛ حيث أن الدراسات التي قارنت بين التوائم المتطابقة وغير المتطابقة، وجدت أن العنصر الوراثي يلعب دورًا كبيرًا في كل من الصفات النرجسية والعته العقلي، فعلى الرغم من أن صفة المكيافيلية قد تكون مكتسبة بدرجة كبيرة من البيئة؛ إلا أن العته العقلي قد يكون وراثيًا بدرجة كبيرة، ويقول البروفيسور "كينا ليون" من جامعة ليفربول: "الشخص الذي يولد مع جينات العته العقلي ليس لديه أشياء كثيرة لفعلها حيال ذلك". ومن ناحية أخرى؛ أشارت عدد من الدراسات العلمية أن الشخصيات المظلمة لها "جاذبية جنسية"، فعلى سبيل المثال يتمتع بعض الأبطال الخارقين، على الرغم من اتسامهم بالشر، مثل "جيمس بوند" و"دون درابر"، بجاذبية جنسية عند بعض الأشخاص، كما أنهم أكثر ميلًا للسهر حتى وقت متأخر في الليل. ويقول "ليون": "الناس الذين يبقون حتى وقت متأخر من الليل يسجلون معدل أعلى من الثالوث المظلم، فهم أكثر ميلًا للمكيافيلية، كما أنهم أنانيون بدرجة كبيرة، ويعانون من العته العقلي، بالإضافة إلى أن سهرهم حتى وقت متأخر من الليل مع هذه الصفات المظلمة يجعلهم أكثر ميلًا للعدوانية واستغلال الآخرين ودخول علاقات جنسية غير مشروعة وغيرها". وعلى الرغم من سوء حالة هؤلاء الأشخاص المظلمين وفقًا لنظرية "ليون"؛ إلا أن "بولهوس" يرى أن هناك منافذ دائمًا لهؤلاء الأشخاص عليهم استغلالها؛ قائلًا: "المجتمع البشري معقد بدرجة كبيرة لدرجة أنه يوجد بالتأكيد طرق مختلفة تعزز نجاح مثل هؤلاء الأشخاص، فهم قد يحظون بقليل من اللطف والإيجاب". ولا تنطوي شخصية الأشرار على الثالوث المظلم فقط؛ ولكن هذه الصفات الثلاث قابلة للزيادة؛ حيث يقول "بولهوس": "بعد تحليل عدد من سلوكيات الأشرار وجدنا أن بعض الأشخاص يميلون إلى إلحاق الأذى والألم بالآخرين ليس لأي سبب سوى المتعة الخاصة، وهذا السلوك ليس انعكاسًا للنرجسية أو المكيافيلية أو العته العقلي، ولكنه رد فعل لما يسمى ب"السادية اليومية"، لهذا فالثالوث المظلم يتحول إلى الرباعي المظلم". وفي تجربة غريبة، قدم فريقًا بحثيًا لمجموعة من المشاركين طاحونة قهوة، وقاموا بإعطائهم حشرات لإسقاطها في الطاحونة، ومن ثم تدميرها أو السماح لها بالهروب؛ إلا أنهم وجدوا أن بعض المشاركين حرصوا جيدًا على ألا تهرب الحشرات، وكانوا يستمتعون كثيرًا بصوت تدميرها، كما أنهم طلبوا مزيدًا من الحشرات لسحقها، وهو ما يوضح أنهم يجدون متعة خالصة في تعذيب الآخرين. ومن ناحية أخرى؛ وجد الباحثون أن الهاكرز، مخترقو الإنترنت، أشخاصًا ساديين بدرجة كبيرة يتمثل فيهم الرباعي المظلم؛ حيث أنهم يقضون أوقات فراغهم في إلحاق الأذى بالآخرين دون أن يعود ذلك عليهم بفائدة. أما عن رجال الشرطة والعسكريين؛ يقول "بولهوس": "الرباعي المظلم قد يكون هو التفسير العلمي الأوضح لإساءة استخدام مثل هؤلاء الأشخاص لمواقعهم"، موضحًا: "وظائف هؤلاء تعطيهم إمكانية إيذاء الآخرين، ومن ثم تظهر لديهم المكيافيلية والتي تفيد بأن الغاية تبرر الوسيلة، فيفعلون ما يشاءون دون عقاب، ومن ثم تتطور لديهم النرجسية، ويزداد الأمر سوءًا إذا كانت جيناتهم تحمل عتها عقليًا، وعندما يألفون تعذيب الآخرين تظهر لديهم السادية". إلا أن "بولهوس"، يرى أن بعض رجال الشرطة والعسكريين قد يوجد لديهم ما يسمى ب"المكيافيلية الأخلاقية" و"النرجسية الطائفية"؛ حيث يرى أنهم يستخدمون صفاتهم المظلمة من أجل الخير، وفقًا لرؤيتهم، موضحًا أن الانقسام ما بين الخير والشر زائف، ويحمل أكثر من معنى، كما أن كل منا قد يراه بطريقته الخاصة.