حينما تحرك «شمس» بدراجته البخارية هاربًا من مطارديه، أنطلقت من مكان خفي موسيقي شديدة التميز مستخدمة آلات إيقاعية لتجعل المشهد أكثر تشويقا وبريقا، وقتها قطع حسن الطريق أمام مطاردي شمس ليلحق بوالده الذي تعرض لأزمة مادية مع الضرائب قد تدفعه لبيع الورشة في المزاد العلني، تحرك حسن بسيارته على أنغام شرقية بحته، بينما وقف «عطية» على الرصيف ينتظر العبور إلى الجانب الأخر، ليلحق «موعده على العشاء» مع كمال بك، حتى يتمكن من الزواج بخطيبته. كل هذة الشخصيات تحرك أمام أعيننا في أفلام ضربة شمس لمحمد خان، وسواق الأتوبيس لعاطف الطيب، وخرج ولم يعد لمحمد خان على أنغام صنعها مبدع ظلمه قله ظهوره الإعلامي، وكان أحد الأضلاع الأساسية في صرح سينمائي أسمه سينما التمانينات ، الرجل الذي قدم الموسيقي التصويرية ل11 فيلمًا فقط في السينما المصرية، أستطاع بجدارة أن يجعل لنفسه مكانة وقيمة تنافس أساتذة الموسيقى التصويرية في مصر، هو المبدع كمال بكير الذي رحل عن عالمنا في مثل هذا اليوم 20 يناير 2008. كريشيندو في نهاية السبعينات، كانت السينما المصرية على موعد مع سينما مختلفة كل الأختلاف عن ما أطلق عليه إصطلاحًا سينما المقاولات ، حينما نجح الجيل الجديد خيري وداوود وخان والطيب ، في فرض سينماه المختلفة على الساحة، في صراع شرس بين التيارين أستمر لقرابه العقدين. وفي عام 1979 قدم المخرج محمد خان من تأليف بشير الديك فيلم الرغبة بطولة مديحة كامل ونور الشريف، وفي هذا الفيلم تعرفت أذن الجمهور للمرة الأولي لموسيقي كمال بكير. والتعاون بين بكير و خان استمر حتى عام 1990، قدما خلاله 8 أفلام،حيث قدما عام 1980، فيلمهما الثاني "ضربة شمس" عام 1980، لينطلقا إلى أفق اكثر رحابه حينما قدما عام 1981 فيلمي "طائر على الطريق، وفيلم "موعد على العشاء"، ثم يقدما في عام 1982 فيلم الثأر . و في نفس العام قدم بكير مع الرائع الراحل عاطف الطيب أحد أهم افلامه ومن أفضل أفلام السينما المصرية، "سواق الأتوبيس"، وهو الفيلم الثاني لعاطف الطيب بينما يعتبره الجميع بطاقة التعريف الحقيقة بالمخرج الذي اثرى السينما بما يتجاوز 20 فيلما أغلبها من أفضل الأفلام التي أنتجاتها السينما المصرية. ثم عاد بكير لشريكه السينمائي الأهم محمد خان ليقدما عام 1984 فيلم "خرج ولم يعد" من تأليف عاصم توفيق وبطولة يحيى الفخراني وفريد شوقي وليلى علوي وتوفيق الدقن، ويقدما عام 1986 فيلم "عودة مواطن"، ثم يستكمل بكير مسيرته الفنية مع المخرج محمد النجار عام 1987 ليقدما فيلم "زمن حاتم زهران"، ويعود لنشاطه مع محمد خان ويقدما عام 1990 فيلم "سوبر ماركت". طائر على الطريق والغريب أنه على الرغم من الوهج الذي كانت تطلقه موسيقى كمال بكير إلا أنه توقف لمده قاربت على 8 سنوات قدم بعدها أخر أفلامه مع المخرج الشابة وقتها " ساندرا نشأت وهو فيلم "مبروك وبلبل" الذي أنتج عام 1998، من بطولة يحيى الفخراني و دلال عبدالعزيز. حملت موسيقى كمال بكير الكثير من هموم وشجون جيل أكتوبر الذي حارب وأنتصر وعاد متوقعا التكريم من المجتمع، ليجده منغمسا في سياسة الإنفتاح والمياة الغازية والأغذية المحفوظة، ومثلما كان أبطال أفلامه من المهمشين والمظلومين وأحيانا اليأسين، همش الإعلام كمال بكير فظن البعض حينما غاب عن الساحة لمدة 10 أعوام انه مات أو اعتزل وفوجئ بعضهم انه كان حيا حينما نشرت الصحف خبر وفاته. إذا أردت أن تتعرف على القيمة الحقيقة لكمال بكير عليك بإقتطاع مقطع من موسيقاه في أحد الأفلام، وسماعه منفردًا وقتها لن تجد صعوبة في تخيل المشهد ومعرفة مشاعر أبطاله، و خلفياتهم، كمال بكير الشرقي حتى النخاع، يستطيع أن يجعلك تشاهد الفيلم بأذنك فقط، بل إن موسيقاه تجعلك تنفذ إلى نفسيه الأبطال بل واحيانا تبصر مناطق خفيه في نفسيتك التي ظننت أنك تعرف عنها كل شئ. وفي مثل هذا اليوم من عام 2008، بعد توقف دام 10 سنوات، توقفت سيمفونية كمال بكير عن العزف ليرحل أحد أهم من قدموا الموسيقي التصويرية في مصر، كعادته دون صخب أو ضوضاء.