لو سألتنى عن أعظم ما كتبه شعراء الأغنية عن الحب الذى يتحدَّى النسيان سوف أقول لك أحمد رامى «بافكر فيك وأنا ناسى»، ومأمون الشناوى «أنساك ده كلام»، وعبد الوهاب محمد «فكّرونى إزاى هو أنا نسيتك». أمس، مرَّت ذكرى عبد الوهاب محمد التاسعة عشرة، الذى قدَّم للمكتبة الغنائية أروع الأغنيات التى شغلت ولا تزال مساحة فى وجداننا، تأمَّل تلك الشطرة الشعرية القرب أساه ورّانى البعد أرحم بكتير . سوف أبدأ معكم بحكاية فارقة فى حياته عندما قرر شاعرنا الغنائى الكبير الاعتزال.. عام 60 قبل أن تشدو أم كلثوم بأغنية حب إيه وكان وقتها لم يبلغ الثلاثين من عمره. الصدفة هى التى مهَّدت الطريق لأغنية حب إيه اللى انت جاى تقول عليه ، لتستقر على حنجرة أم كلثوم ، كتبها عبد الوهاب لتغنيها نجاة ، لم تقتنع نجاة بالكلمات، وقرر بليغ حمدى أن يقدّمها للمونولجيست ثريا حلمى، لأن بالكلمات إحساسًا ساخرًا، حتى استمعت إليها أم كلثوم بالصدفة فى سهرة بمنزل الموسيقار محمد فوزى.. ولكن قبل أن تغنيها أم كلثوم ادّعى شاعر شاب آخر وهو محمد زكى الملاح، أنه سرق كلماته وأقام دعوى قضائية.. وعاش عبد الوهاب محمد لحظات عصيبة وكاد أن يعتزل.. ولم ينقذ الموقف إلا أنه تذكَّر أنه قد سبق له نشر كلمات الأغنية فى إحدى المجلات الشبابية، وخسر الملاح القضية، ويومها اعتذر لعبد الوهاب محمد، قائلًا إنه أراد أن يحقّق الشهرة لنفسه، فلجأ إلى هذه الحيلة الشريرة، وعلى الفور اتفقت أم كلثوم مع عبد الوهاب محمد، كنوع من رد الاعتبار أن تغنّى له حب إيه مباشرة أنا وأنت ظلمنا الحب !! ولم تكن أم كلثوم هى أول مَن تستمع إليها، فلقد كتبها عبد الوهاب محمد فى منزل صديقه بليغ حمدى، وأسمعه كلمات الأغنية فى جلسة كانت تضم وحش الشاشة الملك فريد شوقى، وهدى سلطان، ويومها بكى الملك وهو يستمع إلى هذه الكلمات، ما حدش فينا كان عايز يكون أرحم من التانى ولا يضحى عن التانى .. فلقد كان فى تلك السنوات -مطلع الستينيات- فريد شوقى مرتبطًا بالزواج من هدى سلطان، وبعدها تسامحا وضحَّى كل منهما من أجل الآخر!! كان عبد الوهاب محمد صديقًا لبليغ حمدى وصديقًا لعبد الحليم، ورغم ذلك تعذّر اللقاء الفنى بينهما، عبد الوهاب كان يعلّق قائلًا إن عبد الحليم فى الخمسينيات وحتى منتصف الستينيات كان مرتبطًا بالشعراء مأمون الشناوى ومرسى جميل عزيز وحسين السيد، وكانوا يقدّمون معه أغنيات تثير إعجابه الشخصى، واكتفى هو بالإعجاب، أما فى نهاية الستينيات والسبعينيات، فكان يلاحظ أن عبد الحليم يتدخّل فى كلمات الأغانى، ولهذا آثر هو الابتعاد، إلا أن هناك أغنية من كلماته لحّنها بليغ لعبد الحليم حافظ، وهى فكّرونى ، ولكن عبد الحليم كانت له ملاحظات على الأغنية، اعتبرها كلثومية المذاق على المستويين الشعرى واللحنى، وطلب إجراء بعض التغييرات، ولم يقتنع عبد الوهاب محمد، وذهبت الكلمات إلى الموسيقار محمد عبد الوهاب، وتتردد على حنجرة أم كلثوم تلك الومضات القمر من فرحنا ح ينور أكتر والنجوم ح تبان لنا أجمل وأكبر والشجر قبل الربيع حنشوفه أخضر ، ولم ينسَ عبد الحليم أبدًا أن واحدة من الأغنيات التى انتظرها ذهبت إلى أم كلثوم، ولم ينسَ بليغ أن الكلمات التى لحّنها بإحساسه ذهبت إلى عبد الوهاب، فكَّرونى دُرة غنائية عصية على النسيان. لكل شاعر قصة حب وملهمة وأحيانًا قصص وملهمات، أم كلثوم أشعلت إبداع أحمد رامى، ومن الممكن أن تقول إن لطيفة فى السنوات العشر الأخيرة من حياة عبد الوهاب محمد، أشعلت وهج كلماته، فكانت لا تغنّى تقريبًا إلا من أشعاره، سألت لطيفة فأكدت لى أنها كانت ولا تزال قريبة له وللعائلة بعد رحيله، وأنه كتب لها أصدق المشاعر، كتبها لها ولم يكتبها عنها!! عبد الوهاب محمد كان ولا يزال يشغل مساحة استثنائية على خريطة عواطفنا فكّرونى إزاى.. هو أنا نسيتك ؟!