في عام 1952 وتحديدًا في يوم 23 يوليو، قامت الثورة، لتقضي على النظام الملكي، وتضع تنظيم الضباط الأحرار على قمة هرم السلطة، وعلى قمة هذا الهرم وقف الزعيم جمال عبد الناصر -الذي ولد في مثل هذا اليوم 15 يناير 1918- يحلم بنهضة اقتصادية وسياسية واجتماعية وثقافية وفنية، كان مخلصًا لأحلام شعبه، حتى وإن جرى في عهده العديد من التجاوزات. السينما في عهد ناصر شهد العهد الناصري طفرة في كافة المجالات، ومن بين تلك المجالات "السينما"، فزادت دور العرض، وتشجعت شركات الإنتاج الخاصة على استقدام أحدث المعدات وشيئًا فشيئًا تغيرت نظرة المجتمع للعاملين بهذا المجال، فلم يعودوا "مشخصاتية"، بل أصبحوا فنانين، يكرمهم الزعيم بنفسه. وفي خضم حمى التأميم أراد جمال عبد الناصر أن يجعل الفن ملكًا خالصًا للشعب، فقام بتأميم السينما، وهو ما ثبت بعد فترة أنه قرار غير صائب، وأنشاء عام 1963 المؤسسة المصرية العامة للسينما، والتي تكونت من خمس شركات هي (الشركة المصرية العامة للإنتاج السينمائي العربي "فيلمنتاج"، والشركة المصرية العامة للاستديوهات، والشركة المصرية العامة للتوزيع، والشركة المصرية العامة لدور العرض، و"كوبرا فيلم" وهي شركة مختصة بالإنتاج المشترك بين مصر والبلاد الأجنبية). وعلى الرغم من هذا المناخ الراعي للفن فإن عددًا من الأفلام السينمائية تم منعه من العرض لأسباب سياسية، بعضها بتدخل الرئيس جمال عبد الناصر بنفسه لاتخاذ قرار بشأنها. مسمار جحا في يونيو عام 1952، قدم المخرج إبراهيم عمارة فيلم "مسمار جحا" عن قصة لعلى أحمد باكثير، وسيناريو وحوار أبو السعود الإبياري وبطولة: عباس فارس، وزكي رستم، وإسماعيل ياسين، وماري منيب، وكمال الشناوي، وقوبل الفيلم بالمنع بناءً على أوامر ملكية، حيث حملت قصة الفيلم إهانة للذات الملكية، وبالفعل، مُنع الفيلم من العرض قبيل ثورة يوليو، وحينما قامت الثورة طمع صناع العمل في أن تسمح الثورة بإعادة عرضه، وهو ما لم يحدث، ونسي الجميع الأمر أو تناسوه، وظل الفيلم حبيس الأدراج حتى أنه واحد من أكثر الأفلام العربية ندرة والتي قلما يسمع عنها أحد. الله معنا في عام 1955، قدم المخرج أحمد بدرخان، عن قصة إحسان عبد القدوس، فيلم "الله معنا" بطولة: فاتن حمامة، وعماد حمدي، ومحمود المليجي، وشكري سرحان، وأميرة أمير، وعلى الرغم من أن الفيلم كان يحكي قصة الضباط الأحرار وتأثير أزمة الأسلحة الفاسدة في حرب فلسطين عام 1948، وكيف أثرت في تنظيم الضباط الأحرار، وانحاز الفيلم قلبًا وقالبًا للجيش المصري، فإن جمال عبد الناصر حينما شاهد الفيلم قرر عدم عرضه اعتراضًا على مشاهد تفيد تورط عدد من ضباط الجيش في صفقة الأسلحة الفاسدة، فخشى أن تثير تلك المشاهد حفيظة الجمهور، أو تدفع بعضهم للتعاطف مع الملك فاروق. المتمردون في عام 1966، قدم المخرج العبقري توفيق صالح، من تأليف صلاح حافظ ومحمد عثمان، فيلم "المتمردون" والذي تم اختياره ضمن أهم 100 فيلم في تاريخ السينما المصرية، بطولة: شكرى سرحان، وزيزي مصطفى، وتوفيق الدقن، وحمدي أحمد، وعلى الرغم من أنه من إنتاج المؤسسة العامة للسينما، فإنه تم منع الفيلم من العرض في دور السينما المصرية، بل ورفض الموزعون توزيعه على دور العرض سواء داخل مصر أو خارجها، بزعم أنه يسيء لسمعة مصر. والفيلم الذي تدور أحداثه قبل ثورة يوليو داخل أحد المصحات النفسية المعزوله بالصحراء لم ير النور إلا عام 1968، وإن لم يُعرض لفترة كافية تسمح بمشاهدته، ليظل واحدًا من الأفلام التي حكم عليها بالندرة، بل أصبح بمثابة الكنز بالنسبة لمحبي السينما المصرية. القضية 68 في عام 1968 قدم رائد الواقعية المصرية المخرج صلاح أبو سيف فيلمًا حمل اسم "القضية 68" من تأليف على عيسى ووفية خيري، وبطولة: حسن يوسف، وميرفت أمين، وصلاح منصور، ومحمد رضا، وعقيلة راتب، والذي منع من العرض في مصر وتم توزيعه في الخارج أولاً، وبعدما حقق نجاحًا كبيرًا تم عرضه في مصر في دار عرض وحيدة، كانت تحت حراسة الشرطة، بل وتعرض المخرج الكبير صلاح أبو سيف للضرب من أحد رجال الأمن أثناء العرض الخاص للفيلم. ميرامار عام 1969، قدم المخرج الكبير كمال الشيخ، عن رواية نجيب محفوظ وسيناريو وحوار ممدوح الليثي، فيلم "ميرامار"، بطولة شادية، وعماد حمدي، ويوسف شعبان، وعبد الرحمن علي، وأبو بكر عزت، ويوسف وهبي، وعبد المنعم إبراهيم، وقد اعترضت الرقابة على الفيلم نظرًا لأنه يتناول في عدد كبير من الجمل الحوارية فساد أجهزة الدولة، وتم تصعيد الأمر إلى جمال عبد الناصر شخصيًّا، الذي شاهد الفيلم، وأصدر قرارًا بعرضه للجمهور دون حذف. شيء من الخوف وفي عام 1969، قدم المخرج حسين كمال رائعته "شئ من الخوف"، سيناريو وحوار صبري عزت، وشارك في كتابة الحوار الشاعر الكبير عبد الرحمن الأبنودي، بطولة شادية، ومحمود مرسي، ويحيى شاهين، ومحمود ياسين، وصلاح نظمي، وأحمد توفيق، وسميرة محسن، وقد تم منع الفيلم من العرض بقرار من الرقابة، على الرغم من أنه من إنتاج المؤسسة العامة للسينما، وقام صناع الفيلم برفع شكوى للرئيس جمال عبد الناصر الذي أمر بتشكل لجنة لمشاهدة الفيلم برئاسة الرئيس الراحل محمد أنور السادات، الذي لم يستطع اتخاذ قرار بشأنه، فرفع الفيلم للرئيس جمال عبد الناصر، الذي شاهده مرتين قبلما أن يقرر عرضه في السينما قائلاً: "لو أنا بعمل زي عتريس أستاهل اللى يجرالي، ولو كنت ببشاعة عتريس حق الناس يقتلوني".