لم تكن التصريحات النارية التى أدلت بها المذيعة القديرة آمال فهمى مؤخرًا مفاجأة بشكل عام، حيث إنها فى الآونة الأخيرة بدأت تصرح بتذمرها من الإهمال المتعمد لها، واستبعاد برنامجها الأشهر «على الناصية» من خارطة البرامج، واستبدال بعض الأغانى المملة والبايخة به -كما قالت فى أحد تصريحاتها. بالطبع هناك ملاحظات كثيرة من الممكن أن نبديها على بعض الإعلاميين الذين تحول بعضهم إلى أراجوزات، لمجرد تلبية مقولة الجمهور عاوز كده ، فنجد هذا البعض يبذل مجهودات مضنية للفت النظر، وبأى وسيلة رخيصة وتافهة، للدرجة التى تصل بالبعض إلى إدخال بعض الحيوانات داخل الاستديو، وهذا ليس فكاهيا، بل إنه حقيقة حدثت بالفعل. وبعيدًا عن الطرق البهلوانية التى يخترعها الإعلاميون العصريون ، وعندما أقول الإعلاميين، أقصد مذيعى الفضائيات، الذين تحول بعضهم إلى محللين سياسيين، وزعماء حسب الطلب، وأحيانا إلى مفكرين ومؤرخين وأدباء وخبراء عسكريين يدلون بتصريحات خطيرة، من الممكن أن تثير كثيرًا من البلبلة والزعزعة وما شابه. وكذلك هذه البلبلة ليست مبالغة منى، بل إننا نعرف أن الإعلام المرئى، أصبح هو الوسيلة الأقصى للتأثير وإبلاغ الرسائل السريعة إلى الناس، لذلك من الممكن أن تحدث ردود فعل فورية وعنيفة، وعلينا أن نتذكر أن بيان ثورة 23 يوليو 1952 أذيع من الإذاعة المصرية، ليعرف الناس حقيقة ما حدث، إذن ليس بجديد ولا من البدع أن نؤكد خطورة هذا الإعلام المرئى. بالإضافة إلى ذلك، هناك اللغة الهابطة التى علقت عليها السيدة آمال فهمى، واستخدام المفردات الخارجة، والتى يكثِّف من استخدامها بعض الإعلاميين بعينهم، تحت زعم الحرية والديمقراطية، وهؤلاء ينسون دومًا أن الحرية هذه، لا بد أن تكون مشروطة بضرورات معينة، والحديث عن الحرية هنا هو حديث وهمى، لأننا لاحظنا أن كثيرًا من الإعلاميين الذين يكثرون من استخدام هذه الألفاظ والطرق البهلوانية لا يفعلون سوى تلبية رغبة السلطات بامتياز، وتحت أقنعة عديدة وسميكة. ومن المعروف أن آمال فهمى التى تلَقف تصريحاتها بعض المختلفين مع السلطة الحالية، وروجوا لهذه التصريحات، ومهللين لها، بأنها مجرد درس لإعلاميى الانقلاب -حسب زعمهم- أنها بتاريخها الطويل مع برامجها العديدة، وأشهرهم برنامج على الناصية ، انتهى بها الأمر إلى أن تنشئ برنامجا عنوانه الشعب يسأل والرئيس يجيب ، والرئيس هنا هو الرئيس المعزول محمد مرسى، والبرنامج مجرد تهافت واضح نحو السلطة فى أعلى صورها، والسيدة آمال فهمى عاشقة لاستضافة الزعماء مثل هوارى بومدين وجعفر النميرى والملك حسين وأحمد بن بيلا، وغيرهم، بل إنها بدأت حياتها الإذاعية عام 1949 فى برنامجها حول العالم ، بتقديم خطب هتلر وغاندى وموسولينى. وفى ردها على فكرة إنشاء برنامج الشعب يسأل والرئيس يجيب فى شهر رمضان، قالت فى مجلة الأهرام العربى : شهر رمضان شهر منافسة إعلامية، وفيه تحاول كل الإذاعات والقنوات أن تجذب المستمع وتستحوذ عليه، ولذلك فهى فكرت فى هذا البرنامج ليكون حلقة تواصل بين الشعب والرئيس فى هذا الشهر المبارك ، ولفتت فهمى النظر إلى أنها كانت تتكتم على الخبر حتى لا تستولى عليه أى إذاعة أخرى أو قناة، وقالت إن الفكرة أخذت شهرًا كاملًا للحصول على موافقة الرئيس المعزول محمد مرسى، للإجابة عن تساؤلات المستمعين لإذاعة البرنامج العام، وأضافت بأنها اشترطت أن يذاع الحوار عقب آذان المغرب مباشرة، وحرصت على أن لا يسبق الحلقات أى إعلانات احترامًا لشخص الرئيس. دع عنك هذا الحرص البالغ من السيدة آمال فهمى على التكتم وإحاطة البرنامج بهالات من القداسة المتوهمة، لكن ذلك يسفر دومًا أنها كانت تسعى نحو هذا التقرب بشكل أو بآخر من السلطة أيًّا كانت، وهناك دليل قاطع آخر على ذلك بأنها سارعت إلى المشروع الجديد لحفر قناة السويس لتكون أول مذيعة تسجل مع قادة المشروع الجديد، رغم أن صوتها المميز ما زال يدوى وهى تقول صبرنا 30 سنة وبنعد على الرئيس 100 يوم تقصد الرئيس المعزول، وهى تستكثر نفسها على الإعلام المصرى وهى تقول: أنا خسارة فى الإعلام المصرى ، لدرجة أن البعض وصفها بالمذيعة المتعصبة، رغم أنها أدلت بحديث قديم فى مجلة الإذاعة عام 1956 بأنها كانت تحلم بأن تصبح ممثلة مسرحية، وتقول عن نفسها فى هذا الحوار: تخرجت فى كلية الآداب عام 1949، والتحقت بالإذاعة عام 1950، وكنت وأنا فى الجامعة عضوًا فى الحزب النسائى الذى ترأسه السيدة فاطمة نعمت راشد، ثم سكرتيرة لمجلس إدارته، وأمنيتى الآن أن أكون ممثلة على المسرح، وقد سبق لى أن قمت بالتمثيل فى مباريات الجامعة وفزت بالميدالية الذهبية فى دور (أوفيليا)، فى مسرحية (هاملت) لشيكسبير . أقول إن تصريحات السيدة آمال فهمى العنيفة والعصبية لم تدهشنى، لأننى عثرت على خبر نشرته صحيفة المساء فى 23 ديسمبر عام 1957، تحت عناوين عدة تقول: المحامى العام يأمر بإعادة التحقيق من جديد فى حادث آمال فهمى والمهندس الإذاعى، بعد أن حفظ وكيل النيابة التحقيق اكتفاءً بالجزاء الإدارى . أما مضمون الخبر فيقول: كان المهندس صبحى موسى قد تقدم ببلاغ إلى نيابة عابدين ضد السيدة آمال فهمى وزوجها محمد علوان، قال فيه إن السيدة آمال فهمى وجهت إليه بعض العبارات التى اعتبرها ماسة بكرامته أمام بعض العمال، لأنه رفض أن يمنحها مدة تزيد على المدة المقررة لها لتسجيل أحد برامجها، فتركها وتوجه إلى مكتبه ليبلغ رئيسه بما حدث، ففوجئ بها تقتحم المكتب، وتنزع منه سماعة التليفون، وتهوى بيدها على وجهه، وفى أثناء ذلك دخل زوجها محمد علوان المخرج الإذاعى وتوعده بالضرب خارج الإذاعة! وأحيل بلاغ المهندس إلى وكيل نيابة عابدين، الذى تولى التحقيق، وأمر بحفظه، بعد توقيع جزاء إدارى على المهندس وآمال فهمى . وهذا ما لم يرض به محامى المهندس صبحى موسى، وتقدم بشكوى مجددة أمام المحامى العام، ليفتح التحقيق مرة أخرى!!