لم يكن محمد البوعزيزى، أو طارق الطيب محمد البوعزيزى، سوى شاب تونسى عادى، ابن لعائلة تتكون من تسعة أفراد، توفى والده بينما لم يبلغ هو من العمر سوى ثلاث سنوات، وقد تلقى تعليمه فى مدرسة فقيرة الإمكانات فى قرية سيدى صالح، واضطر إلى أن يعمل منذ أن كان طفلا. حاول بوعزيزى حينما أصبح شابا التقدم للالتحاق بالجيش، ولكنه لم يوفق وتقدّم لعدة وظائف أخرى فخاب ظنه أيضا. كان محمد يعيل عائلته معتمدا على دخل زهيد من بيع الخضار والفاكهة فى شوارع الولاية التونسية سيدى بوزيد. ووفقا لرواية أخته فقد ادخر مالا من أجل شراء عربة تعينه على العمل. داخل إحدى الأسواق وضعت الشرطية فادية حمدى -التى كانت قد صادرت عربته من قبل- أول سلة فاكهة فى سيارتها، وعندما سعت لحمل الثانية اعترضها البوعزيزى، دفعته وضربته بهراوتها. ثم حاولت الشرطية أن تأخذ ميزان الفاكهة فحاول مرة أخرى منعها فدفعته هى ورفيقاها وأوقعوه أرضا ثم أخذوا الميزان عنوة. لم تذكر الروايات كيف كان رد فعل الشاب، لكن المذكور أن الشرطية قامت بتوجيه صفعة للبوعزيزى على وجهه أمام العشرات من الحضور، فانفجر فى البكاء بعد أن شعر بالخجل. حاول الشاب أن يلتقى المسؤولين لكنه فشل فى استعادة سلته وما أهدر من كرامته، فقرر الوقوف أمام مبنى البلدية يوم 17 ديسمبر 2010 كى يشعل النار فى جسده، نيران امتدت من الغرب (تونس) لتطال الشرق فى ليبيا ومصر وسوريا واليمن إيذانا ببدء تحولات كبرى ستغير مستقبل وجغرافيا العالم العربى، وتلقى بتبعاتها على المشهد الدولى أيضا وقوة الفاعلين فيه. بن على هرب.. بن على هرب أدى حادث محمد البوعزيزى إلى احتجاجات من قِبل أهالى سيدى بوزيد فى اليوم التالى 18 ديسمبر، حيث قامت مواجهات بين المئات وقوات الأمن. وقد توسعت دائرة الاحتجاجات لتنتقل من مركز الولاية إلى البلدات والمدن المجاورة كالمكناسى والرقاب وسيدى على بن عون ومنزل بوزيان، حيث خرج السكان فى مسيرات حاشدة للمطالبة بالعمل وحقوق المواطنة والمساواة فى الفرص والتنمية. واتخذت الاحتجاجات شكل انتفاضة شعبية شملت جميع مدن المحافظة، وقامت قوات الأمن بإطلاق الرصاص على إحدى المسيرات فى مدينة منزل بوزيان مما أسفر عن مقتل الشاب محمد العمارى، وهو أيضا من حاملى الشهادات العليا العاطلين عن العمل، وجرح عدد آخر من المتظاهرين، مما زاد من حدة الغضب الشعبى. وفى الخامس والعشرين من ديسمبر تجمع المئات من النشطاء فى ساحة محمد على فى تونس العاصمة للتعبير عن تضامنهم مع أهالى سيدى بوزيد وللاحتجاج على قمع المسيرات الشعبية والاعتقالات واستعمال قوات الأمن للرصاص الحى ضد المحتجين، والذى تسبب فى سقوط قتيل وعشرات الجرحى. وبعد يومين تصاعدت الأحداث بشكل كبير، حيث رفع المتظاهرون فى مدن تونس وصفاقس والقيروان والقصرين وتالة ومدنين وقفصة شعارات مساندة لأهالى سيدى بوزيد ومنددة بتدهور الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية وارتفاع البطالة فى عدد المدن التونسية والمطالبة بتنمية عادلة، فى حين واصلت وسائل الإعلام المحلية والرسمية تجاهل هذه التحركات الاجتماعية التى أخذت تتوسع شيئا فشيئا. وسرعان ما تحولت الأحداث إلى اشتباكات عنيفة وانتفاضة شعبية كبرى شملت معظم مناطق تونس، تطورت شعاراتها حتى وصلت إلى المطالبة برحيل الرئيس التونسى زين العابدين بن على، الذى كان يحكم البلاد طيلة 23 سنة. وقد رفض الجيش التونسى أوامر الرئيس بن على القاضية بمشاركته فى مواجهة الاحتجاجات، وقد كان رفض قائد الجيش رشيد عمار لأوامر بن على بمثابة المسمار الأخير فى نعش نظامه. مجلس تأسيسى بعد أن تنحى بن على وسافر إلى السعودية تولى محمد الغنوشى الوزير الأول رئاسة الجمهورية بصفة مؤقتة، إلا أن المجلس الدستورى أعلن أنه بعد الاطلاع على الوثائق لم يكن هناك تفويض واضح يمكن الارتكاز عليه بتفويض الوزير الأول كون الرئيس لم يستقل، وبما أن مغادرته قد جرت فى ظروف معروفة وبعد إعلان الطوارئ، وبما أنه لا يستطيع القيام بما تلتزمه مهامه ما يعنى الوصول إلى حالة العجز النهائى، فعليه قرر المجلس اللجوء إلى الفصل 57 من الدستور وإعلان شغور منصب الرئيس، وبناء على ذلك أعلن فى يوم السبت 15 يناير 2011 عن تولى رئيس مجلس النواب محمد فؤاد المبزع منصب رئيس الجمهورية بشكل مؤقت لحين إجراء انتخابات رئاسية مبكرة خلال فترة من 45 إلى 60 يوما حسب ما نص عليه الدستور. وقد تم فى يوم 17 يناير تشكيل حكومة وطنية برئاسة محمد الغنوشى الذى أعلن عن ستة أشهر على الأقل قبل إجراء الانتخابات، كما أكد على التزام حكومته بالإفراج عن السجناء السياسيين وتشكيل لجنة لتقصى الحقائق ومحاربة الفساد السياسى والتجاوزات التى جرت فى حق الشعب التونسى، لكن هذه الحكومة لم تستطع الصمود طويلا إزاء احتجاجات نشبت ضدها ليتم إعادة تشكيلها فى 27 يناير، وقد أوكل إلى الباجى قائد السبسى -الوزير فى عهد الرئيس السابق الحبيب بورقيبة- بتشكيل حكومة جديدة. فى أكتوبر من العام نفسه كانت البداية الحقيقية لعملية الانتقال الديمقراطى فى تونس، إذ تم تشكيل ما عرف باسم المجلس الوطنى التأسيسى، وهو مجلس تكون من 217 عضوا تم انتخابهم من قبل التونسيين، وقد فاز حزب حركة النهضة بالنصيب الأوفر من المقاعد بحصوله على 89 مقعدا، ثم تلاه حزب المؤتمر من أجل الجمهورية بعدد 29 مقعدا، بينما حلت قوائم العريضة الشعبية ثالثة بنصيب 26 مقعدا. وقد تلخصت مهام المجلس التأسيسى ومسؤوليته فى إدارة عملية الانتقال وفقا لتولى المهام التالية: تمثيل السلطة التشريعية بجميع مهامها، وانتخاب رئيس المجلس ورئيس الجمهورية، والمصادقة على الحكومة ورئيسها، ومراقبة الحكومة، وكتابة دستور تونس الجديد.