يشارك فى المسابقة الرسمية لمهرجان «دبى» ويتنافس على جائزة «المهر» أفلام روائية وأخرى تسجيلية، فهل تصح تلك المعادلة وتجوز المقارنة؟ عندما تتأمل مثلا جوائز الأوسكار التى يرشح لها فى القائمة القصيرة خمسة أسماء، تسأل: على أى أساس منحوا هذا الفيلم أو تلك الممثلة؟ هل هناك عدالة مطلقة؟ فى نظام الامتحانات يضع الأستاذ نفس الأسئلة ويحدد زمن الإجابة وعلى هذا يصبح للمفاضلة بين طالب وآخر منطقها، ولكن عندما يلعب ممثل دور هاملت فكيف تقارنه بممثل آخر يلعب دور عطيل حتى ولو كان لنفس الكاتب وليام شكسبير؟ شرط الاختيار يقتضى أن يلعب الاثنان نفس الشخصية، إلا أننا تعودنا أن نلجأ إلى معيار آخر، وهو أن نعزل عند التقييم كل تلك العوامل، وندلف إلى أداء الممثل لنرى كيف تفهّم هذه الشخصية أو تلك رغم عدم ثبات العوامل الأخرى. أصبح فى عديد من المهرجانات مقارنة فى نفس المسابقة، التى تمنح فيها جائزة أحسن فيلم أو أحسن إخراج، نوعيات مختلفة من الأنماط، تسجيلى وروائى ورسوم متحركة، رغم تباين الأدوات التى فى أيدى مخرجيها، ولكن معظم المهرجانات الكبرى حطمت الخطوط الفاصلة، وتجد مثلا أن مايكل مور المخرج الأمريكى فى مهرجان كان قبل عشر سنوات يحصد السعفة متفوقا بفيلمه الشهير 911فهرنهايت على كل الأفلام من النوعيات الأخرى، بل ويحقق أعلى درجة تصفيق فى تاريخ المهرجان، كما رصدتها وقتها وسائل الإعلام، وكنت حاضرا بين الجمهور، 20 دقيقة. تكلفة الفيلم لم تتجاوز 6 ملايين، بينما إيراداته 222 مليونا، ودخل الموسوعة فى الأرقام القياسية كشريط سينمائى. ظلت مهرجاناتنا العربية ولا يزال أغلبها يتحفظ فى السماح للفيلم التسجيلى الطويل بالدخول فى تنافس مع الفيلم الروائى الطويل، و دبى فعلتها، وسوف تجد مثلا أن الفيلم الفلسطينى رسائل من اليرموك للمخرج رشيد مشهراوى يدخل فى صراع مع الفيلم الروائى المغربى إطار الليل للمخرجة تالا حديد. مهرجان القاهرة فى اللائحة التى شاركت فيها عام 2012 كان رأى الأغلبية أن نسمح للتسجيلى بالتنافس لأول مرة، وهو ما تحقق بالفعل فى دورة 2014. لو تأملت الموقف لاكتشفت أن المعيار فى المطلق جمالى، الأدوات بالتأكيد مختلفة بين التسجيلى القائم على اقتناص اللحظة ثم تأملها، والإضافة والحذف على أرض الواقع، بينما الفيلم الروائى قائم على التأمل، ولهذا فإن أغلب الأفلام التى تناولت ثورات الربيع العربى دراميا فشلت تماما، لأنها لم تمنح نفسها فرصة التقاط الأنفاس، تعاملت معها باعتبارها لحظة ثابتة، بينما الثورة تتغير وتتشكل مع الزمن. عندما تضطر إلى اختيار فيلم بين نوعيات مختلفة فتنحى على الفور العوامل الأخرى غير المشتركة، وننظر إلى القيمة الإبداعية وما حققه الفيلم على مشاعر مشاهديه، بالطبع الفيلم التسجيلى ينافس فى أغلب العناصر: التصوير والموسيقى والمونتاج، لكنه لا تمثيل ولا ديكور، فهو يختار من الطبيعة ولا يوجه أحدا من المشاركين بأسلوب أو مفتاح الأداء، وبالطبع هناك أفلام تقع فى حالة متوسطة سيمى دراما أو شبه روائية، وهذه من الممكن أن تمنح فيها جائزة للممثل. هل نصل مع الزمن إلى تنافس عالمى بين الفنون المختلفة، ونجد فى نفس المسابقة لوحة لبيكاسو مع سيمفونية لبيتهوفن؟ أقول لكم نعم، بنفس المعيار، ستجد نفسك مثلا تقول أفضل لوحة بيكاسو إفطار الرجل الأعمى على السيمفونية الخامسة لبيتهوفن، رغم أنك فى الأولى تتعامل بحاسة الإبصار، والثانية الاستماع، ولكنهما تخضعان وتصبّان فى معيار واحد وهو الإحساس الجمالى، ليه لأ؟ فكّر فيها!