رأيت الحلم العربى أمامى.. رأيته بكل ما يحمل من معالم حالمة.. جريئة.. معطاءة.. مقهورة… شباب «زى الفل» شابات «زى العسل» يجتمعون من عدة دول عربية، يجمعهم جميعًا رباط الثقافة والفن، ومع أن الثقافة والفنون والعاملين بهما والمهتمين بمجالاتهما المختلفة لا يملكون حظًا على المستوى الشعبى وأيضا على مستوى النخبة السياسية والاقتصادية، ولكن الحقيقة التى يعلمها الجميع أن الثقافة جزء هامّ وأصيل فى الشخصية الإنسانية لا يستطيع أحد أن ينساه أو يتجنبه أو يهمله، وما زال على مستوى التاريخ «الماضى والحاضر» هناك الكثير من المثقفين المصريين والعرب يدافعون عن قضاياهم الإبداعية بكل همة وبكل نشاط، متحملين الكثير من الصعوبات التى لا يمكن لأحد أن ينكرها فى واقعنا العربى المعاصر. الشباب الرائع الجميل الذى شاهدته وعايشته فى إحدى ورش العمل ببرنامج «عبارة» وبرنامج «عبارة» هذا هو أحد البرامج المتنوعة الذى تقدمها «مؤسسة المورد الثقافى»، والمورد الثقافى هو مؤسسة إقليمية غير ربحية تسعى لدعم الإبداع الفنى فى العالم العربى، وإلى تشجيع التبادل الثقافى داخل المنطقة العربية ومع بلدان العالم النامى، ويستند عمل المورد الثقافى إلى تقدير القيمة المتجددة للتراث الثقافى العربى، فى تنوعه، وإلى إدراك أهمية ظهور إبداع عربى جديد، يحرر المخيلة، ويحفز على التقدم، كما يؤمن المورد الثقافى، بأن النشاط الفنى والأدبى ضرورة اجتماعية، تستلزم الدعم المادى والمعنوى من القوى الفاعلة فى المجتمع. وأهم ما يميز المورد الثقافى هو تلك القيادات الشابة التى تحمل على كاهلها العمل الفنى داخل تلك المجموعة، ومن الغريب أن أكثر تلك القيادات سيدات وفتيات من عدة دول عربية، لكنهن «سيدات بألف رجل» تتقدمهن مصرية هى بسمة الحسينى مديرة المورد. تمتلك بسمة الحسينى مواهب تؤهلها لقيادة الثقافة المصرية، بل والعربية إلى آفاق أوسع وأرحب وتمتلك من الخبرة الكثير من خلال العمل فى المؤسسات الإعلامية والثقافية بتوليها مناصب عالية فى برامج للثقافة فى مؤسسة «فورد للشرق الأوسط وشمال إفريقيا» والمسؤول عن برنامج فنون بالمجلس الثقافى البريطانى فى مصر. إنها واحدة من القليلات اللاتى يمتلكن من الخبرة الكثير ومع ذلك لا تجدهن فى الصورة الثقافية المصرية، ومن سخرية القدر أن تلك المواهب تكون فى الظل، بينما يتقلد أنصاف الموهوبين، بل وعديمو الموهبة المناصب الوظيفية الكبرى ليذهبوا بأحلام المثقفين المصريين أدراج المكاتب ويعجّزوهم ببيروقراطية روتينية بعيدة كل البعد عن الإبداع والفنون. إن من يرى ورشة الإدارة الثقافية لبرنامج «عبارة» الذى يقام هذه الأيام على الأراضى المصرية يشع فى قلبه أملًا فى أن يصبح المستقبل الثقافى العربى شيئًا آخر غير الموجود على أرض الواقع، وأنت ترى هؤلاء الشباب والشابات العربيات، فهؤلاء الفتيات التونسيات يقدمن من خلال مركزهم «براعم تتفتح» رؤية واضحة لجيل عربى مبدع وحاضنة فنية تتبنى البراعم الفنية المختلفة. وهذا خالد مطاوع شاعر ليبى، وزوجته الفنانة التشكيلية ريم جبريل يعملان جاهدين من خلال مؤسسة «أريتى» للوصول إلى مجتمع ليبى يتذوق الفن ويقدر القيم الإنسانية، وأيضا شاب وشابة من مصر يقدمان من خلال مركزهما «جنوب» أحلامًا وطموحات كبيرة تبرز الخصوصية الثقافية وتعمل على تقديم الدعم إلى مبدعى محافظة قنا، وفى «جناكليس» يستخلص لنا الفن السكندرى عصارته عن طريق شاب وشابة يحلمان من خلال مؤسستهما هذه أن يقدما فنًا سينمائيًّا جديدًا يُعرض فى شوارع الإسكندرية، وعندما تتقدم من اليمن مؤسسة «الشرق الثقافية» بمشروع هامّ حول نشر الثقافة بجميع أنواعها فى الأماكن الفقيرة باليمن، فهذا شىء يدعو للإعجاب والتشجيع. إن هؤلاء الفنانين المبدعين يقدمون أملًا جديدًا للثقافة العربية بمفهوم وأسلوب زمنهم، ويملكون من الخيال الكثير والكثير الذى سوف يمكّنهم بمشيئة الله فى يوم من الأيام أن يصلوا إلى تحقيق أحلامهم فى مستقبل ثقافى محترم، لذلك وجبت تحيتهم وتشجيعهم ووجب أيضا شكر «المورد الثقافى» على ما يقدمه من إمكانيات لزيادة مهارات هؤلاء الفنانين وتقديم الدعم اللازم لخروج مشاريعهم إلى حيز التنفيذ. ويخطئ من يتصور أن الحديث عن الفن والإبداع العربى والمصرى الآن ليس وقته، بل بالعكس هو وقته، فهؤلاء المبدعون ما هم إلا مرآة لواقعهم الذى يعيشون فيه، وعندما تراهم وتسمعهم وهم من دول الربيع العربى تشعر أن دعاة الوحدة العربية محقون كل الحق فى حلمهم العربى، فما يجمعنا أكثر مما يفرقنا، فالجميع يحلم حلم الوحدة وينظر إلى المستقبل نظرة موحدة، والجميع عاش ويعيش مراحل القمع السياسى الموجود بدولهم، وتكتشف عندما تنظر إلى الصورة كاملة، أن مصر ما زالت الرائدة رغم كل ما عانته فى الفترة السابقة، ورغم كل ما فعله النظام السابق من محاولة انتزاع مصر من أمتها العربية، فالثورة المصرية ما زالت الرائدة والملهمة وما زال الجميع يحاول أن يسير فى نفس مسارها، حتى القوة المناهضة للثورة المصرية، ومن نطلق عليهم الفلول يوجد مثلهم فى تونس وليبيا واليمن لدرجة أنهم يفعلون ما يفعله فلول مصر بالضبط فى محاربتهم الثورات. فنان يمنى ظل يردد أن مصر كانت سببًا فى أن تقدم طبعات متكررة من الإخوان اجتاحت اليمن وتونس وليبيا، وأنهم مستعدون للاستيلاء على الحكم كما يستعد إخوان مصر للاستيلاء عليه. أحلى وأطرف ما حدث فى تلك الورشة أنه مع بداية فاعليات أمسية الثورة المصرية التى من المفروض أن يقدمها المصريون، كان الأطرف أن يتقدم سودانى يمتلك من الوثائق المصورة الكثير عن الثورة المصرية ليقص حكاية ثورة مصر الملهمة، ألم أقل لكم إن هؤلاء المبدعين أضاؤوا لنا شمعة جديدة للوصول إلى مستقبل عربى طيب رغم كل المعوقات.