قلت فى مقال الخميس الماضى إن محكمتنا الدستورية العليا بعدما لاذت بالسكوت دهرا طويلا، تاركة الشعب الغلبان يصارع اليأس فى مستنقع الحيرة والفوضى الشاملة، نطقت أخيرا وأعلنت مشكورة أنها ستنظر يوم الخميس المقبل (قبل يومين فقط من موعد الجولة الأخيرة للانتخابات الرئاسية) فى ملف القضيتين الأهم والأخطر فى تاريخها كله، أىْ قضية القانون الذى أجريت عليه انتخابات البرلمان الحالى بمجلسيه، وقضية قانون العزل السياسى لبعض رموز وأركان نظام المخلوع أفندى، ذلك الذى تلكأَت وتلكعَت الست الأغلبية البرلمانية فى إصداره وتشاغلت عنه بسفاسف الأمور وتوافهها، ثم لما أصدرته (لأسباب انتهازية) قامت الست الرئاسية العليا بتعطيله ومنحت واحدا من نجوم النظام الساقط رخصة مزورة اقتحم بها السباق الرئاسى، فانتهى بنا الحال إلى أن هذا الأخير صار يقف الآن على عتبة السلطة العليا. وأشرت فى المقال نفسه إلى أن حكم المحكمة فى هاتين القضيتين قد يقلب المشهد السياسى الفوضوى الحالى رأسًا على عقب، وربما يوفر فرصة ثمينة للعودة إلى بداية المشوار الذى استهلك من عمرنا وعمر هذا البلد عاما ونصف العام، ولو أكملناه، لا قدر الله، فلست أستبعد أن يرتدّ بنا قرونا إلى الخلف. ورغم أننى لم أُخفِ تحفظى وقلقى من استمرار ظاهرة التداخل والخلط المعيب بين مجال السياسة وواجبات سلطاتها، ومجال عمل سلطة القضاء، الأمر الذى جعلنا نتفرد بين أمم الدنيا بأن أخطر قضايانا السياسية متروكة تهيم على وجهها فى قاعات المحاكم -رغم ذلك- فإن العبد لله يشارك أغلبية كبيرة فى هذا البلد الرأى بأن الأمل أضحى معقودا على المحكمة الدستورية أن تنتشلنا من المحنة، بل المصيبة الوجودية الحالية، وتعود بنا إلى المربع الأول لكى نبدأ من جديد على نظافة ونعالج أخطاء وكوارث وجرائم تراكمت على مدى 18 شهرا، لا بد أن نستعوض الله فيها وننظر بارتياح إلى نتائج إيجابية جدا، قد يأتى بها حكم المحكمة فى القضيتين المذكورتين، وأهمها «احتمال» إجلاء الأستاذ شفيق عن السباق الرئاسى والخلاص من البرلمان المعطوب التعبان الحالى بضربة واحدة. هذا ما قلته وكتبته يوم الخميس، واليوم أفصِّل قليلا فى الموضوع، وأبدأ بأن نظرية قضاء «المواءمة» وإدخال المصلحة العامة ضمن مكونات الأحكام القضائية بما لا ينتهك أو يخلّ بأغراض التشريع هى نظرية قائمة وراسخة فى الفقه القانونى عموما، خصوصا عندما يتعلق النقاش بالهيئات القضائية المنوط بها رقابة قرارات وأعمال السلطة التنفيذية (المحاكم الإدارية) أو تلك التى تراقب جودة وسلامة القوانين من حيث مدى التزامها وتواؤمها مع مبادئ وأحكام الدستور، فهذا النوع من القضاء لا يصدر أحكامه بمعزل عن الاعتبارات والمصالح العمومية المؤكدة. ومؤكد طبعا أن القضيتين اللتين ستنظرهما المحكمة الدستورية نهاية هذا الأسبوع ترتبطان ارتباطا عضويا بالوضع السياسى الفوضوى والمضطرب القائم حاليا، الذى تتبدى خطورته عندما نتأمل حقيقة أن أغلب مكوناته الكارثية من نوع طويل العمر وممتد الأثر إلى أمد بعيد فى المستقبل، ويكفى للدلالة على حجم هذه المخاطر وتداعياتها التى لا تخفى على أى صاحب بصر وبصيرة أن نتوقف أمام موضوع قضية قانون العزل السياسى الذى لو صدر فيه حكم يعيد الاعتبار إلى مبدأ الشرعية وحتمية احترام القوانين ما دامت قائمة ولم تُلغَ أو يُقضَ ببطلانها من القضاء المختص، فإن هذا الحكم من شأنه أن ينتشل المصريين من مستنقع الخيار المستحيل بين مصيبتين رئاسيتين سوداوين، مجموع أصواتهما معا لم يبلغ سقف نصف الناخبين المشاركين فى جولة الانتخابات الأولى والذين هم بدورهم أقل بكثير من نصف عدد المقيدين فى جداول الانتخابات (46 فى المئة) ناهيك بعدد السكان. يا قضاتنا الأجلاّء.. أغيثوا الوطن وأنقذونا من فضلكم.