غدا صباحا سيُصدِر قاضى الاستئناف حكمه على مصطفى شوقى وزملائه، وهم مجموعة من خيرة شباب هذا البلد، الذى صدر بحقهم فى أبريل الماضى حكم يقضى بسجنهم عامين، لأنهم كانوا يريدون إسقاط مبارك، ولا يزالون يريدون إسقاط العسكر! هذا هو الأمر باختصار وببساطة، لا لشىء آخر. حكم استند فيه القاضى ودعا إلى عدم «الخلط بين هؤلاء والذين قاموا بالثورة التى أجمع العالم على سلميتها»، وأرجوك لا تتعجب وأنت تقرأ حيثيات حكم ربما تستشعر -من قبيل الصدفة!- أنها تتشابهه لدرجة التطابق والاستنساخ مع بيانات العسكر المملة التى لطالما دعت المواطنين الشرفاء إلى التمييز بين الثائر الحق والثائر المطيع، الثائر الذى لا يزال يناضل ضد قمعهم واستبدادهم، والثائر الذى تظاهر فى ميدان التحرير 18 يوما، وعليه أن يقضى بقية حياته مشاهدا جرائم العسكر فى التلفاز ومتابعا إياها بمنطق «خلّوا البلد تمشى»، تاركا مصر للعسكر يبرطعون فيها كيفما شاؤوا، يقتلون ويعذبون بلا رادع أو مانع حتى يكفّوا عنه الأذى. وأرجوك هنا لا تحدثنى عن استقلال القضاء ولا غيره، فأنت تعلم كيف أن بعضا من قضاة مصر لا يزالون يتلقون أحكامهم بالتليفونات، وربما سيتلقونها بالستالايت الذى سيدخل وزارة العدل قبل أن يخرج قانون استقلال القضاء من البرلمان. مصطفى شوقى جريمته التى أراها مدعاة للفخر لا للإدانة هى أنه تظاهر هو وزملاؤه قبل الثورة احتجاجا على تواطؤ حبيب العادلى فى تفجير كنيسة القديسين بالإسكندرية، فى وقت كان فيه لواءات المجلس يحتسون الشاى وربما يحسبون كم تبقى أمامهم قبل الإحالة إلى المعاش، وقبل أن تقودهم المصادفة إلى ما يسمونه «حماية الثورة». العادى هنا هو اعتياد شوقى المشاركة فى أغلب التظاهرات منذ 2005، والعادى فى الواقعة أيضا التى يحاكَم بمقتضاها أن المظاهرات الحاشدة التى اجتاحت شبرا ومسرة وقتها وضمت آلافا من الغاضبين والمحتجين، وشارك فيها مصطفى شوقى وزملاؤه، تم التعامل معها بمنطق العادلى، وهو البحث عن أبرز النشطاء فيها من أصحاب الوجوه المعروفة، ثم اعتقالهم وتلفيق تهم «التجمهر والتظاهر وإتلاف المال العام والتعدى بالضرب على عدد من ضباط الشرطة»، بعد مطاردات مع رجال الأمن والمتظاهرين استمرت وقتها إلى فجر اليوم التالى.. بينما يبدو المثير للدهشة والعجب هو دعوة القاضى وحيثيات حكمه التى تُشعِرك أن القاضى نفسه يملك قوائم تقسم المصريين، إلى ثائر، وثائر نص نص، ومنزوع الثورية، ومخرِّب! طبعا أعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذين يحملون نسخا مطورة من عقلية مبارك وأخرى مطولة للحكم الابتدائى قبل صدوره ضد كل ناشط، يعرفون جيدا مَن هؤلاء الشباب الذين صدر ضدهم الحكم، ويعرفون مواقفهم تجاهه منذ أن بدأ إغراق البلاد فى فبراير 2011، كما يعرفون مواقف غيرهم ويسعون لمحاربتها، وربما يختلفون فى تصنيفهم لتلك المجموعة وغيرها من المجموعات فى الطريقة المثلى للتعامل معها، ما بين إطلاق العنان للمواطنين الشرفاء لكى يسحلوهم ويقتلوهم فى التظاهرات ويغرقوهم بقنابل الغاز، واهو نبقى خلصنا! أو يتولى رجال الشرطة العسكرية تلك المهمة وساعتها يُصدِرون بيانا يُلقُون باللوم فيه عَ الفوتوشوب، أو بإصدار أحكام سياسية بحق مجموعة من النشطاء كل فترة من أجل تربيتهم وتعليمهم الأدب ويقولون: احترموا القضاء. هم أيضا يعرفون أن القوى السياسية صاحبة الأغلبية البرلمانية لن تلتفت إلى توريط الشباب فى قضايا يومية، ولن تنشغل بسجن الرموز الشابة واحدا تلو الآخر، فالأغلبية نسيت القمع من مدة، وصارت مشغولة بالحكومة والسيطرة عليها قبل أى شىء آخر، بالإضافة إلى الانشغال بمواضيع أخرى مهمة بالنسبة إليهم مثل قانون الخلع، وختان الإناث، ومسدسات الأطفال ماركة «مهاجمة آل البيت»، وكثير وكثير من اللغو والعبث والكلام الفارغ والمصالح السياسية الضيقة، وحسبهم لجانهم البرلمانية التى لا تحلّ ولا تربط، وجلسات الاستماع المعتادة التى صارت عادة شبه أسبوعية على غرار حفلة الست أم كلثوم، حيث يجلس أعضاء البرلمان محدقين إلى شاشة العرض ومستمعين إلى شهاددات الضحايا فى أسى، وينتهى الأمر بمزيد ومزيد من اللجان وبعض كلمات الإدانة الفارغة فى تويتات النواب، وكل كارثة وأنتم بخير. هم يعرفون أيضا أن منظمات المجتمع المدنى والحقوقيين حائرون وتائهون، منشغلون بانتهاكات لا حصر لها يرتكبها أعضاء «العسكرى» بمعدل تناولهم وجباتهم اليومية وشربهم الماء، فصار المحامون والحقوقيون يوزعون طاقاتهم ما بين «س 28» وغيره من السجون، ما بين محاكمات جائرة، وتعذيب، وقتل، وكشوف عذرية، وتهديد بالاغتصاب والاعتداء الجنسى للمعتقلين. يدورون يوميا على المحاكم، يتابعون أحكاما قضائية عجيبة، ومهرجانات براءة بالجملة، ونيابات شديدة وسريعة الاجتهاد فى إدانة النشطاء وأشد فشلا فى إدانة رموز النظام السابق، هم أيضا مشتَّتون بين فيض وسيل من اقتراحات بقوانين قمعية يُعِدّها العسكر لتقييدهم، كى يصير النشطاء بلا ظهير قانونى يحميهم، وينفرد بهم العسكر لتأديبهم. قضية مصطفى شوقى وزملائه لن تكون الأخيرة، فالمناضل العمالى كمال عباس ينتظره حكم بالسجن لستة أشهر، وأسماء محفوظ لا تزال هى الأخرى تلاحقها القضايا الملفقة، أما المئات المعتقَلون على خلفية أحداث العباسية، فسيتم تصنيفهم وفلترتهم، بعد إنهاكهم بالتعذيب فى أقبية السجون، وسيحظى فى الأغلب أصحاب التاريخ السياسى منهم بأحكام جائرة وقاسية، ولا نزال فى انتظار المزيد والمزيد.