هو إيه لا مؤاخذة موضوع الديمقراطية اللى فى الإسلام ده؟ كل شوية ألاقى أحد الإخوة الإسلاميين السياسيين (وده طبعا إنتقل كمان للمُؤمنين بمبادئهم) بيقول «الديمقراطية أصلا مبدأ إسلامي» هو نيّتهم سليمة يعنى مافيش أى داعى للتشكيك فيها؛ عايزين الإسلام، دينهم اللى بيحبّوه يبقى فيه كل الخيرات بتاعة كل حاجة، فيلاقوا «الديمقراطية هى الحل» يروحوا قايلين «ومالُه؟ ما الديمقراطية دى مبدأ من مبادئ الإسلام» بس بالرغم من سلامة النية إلّا إن ده كلام مُغالط جدا للحقيقة! مين قال إن الحكم فى الدولة الإسلامية كان حُكم ديمقراطي؟ عشان «أمرهم شورى بينهم»؟ اللى مابيطبّقش مبدأ الشورى يبقى متسلّط وديكتاتور وبيخسر، الحاكم الحكيم فى أى سياق بياخد مشورة من حوله؛ بيدّيهم وضعهم وبيستفيد من خبراتهم بس دى مش الديمقراطية خالص. ده زائد فرق مهم جدا؛ إن المشورة إختيارية، ممكن ياخد الحاكم رأى جماعته أو لأ، -متوقّفا على الظرف- هو حر، لكن فى الديمقراطية الموضوع مش خِيارى. من الناحية التانية خالص بقه، بلا أى انتقاء كتبت فى جوجل «الديمقراطية فى الإسلام» وأول نتيجة كانت من موقع «الإسلام سؤال وجواب»، جاء فيها السؤال الآتي: سمعت أن كلمة الديمقراطية مستقاة من الإسلام، فهل هذا صحيح؟ وما حكم الترويج للديمقراطية؟ «الديمقراطية نظام مخالف للإسلام ؛ حيث يجعل سلطة التشريع للشعب أو من ينوب عنهم، وعليه فيكون الحكم فيه لغير الله تعالى، بل للشعب ونوابه، والعبرة ليست بإجماعهم، بل بالأكثرية، ويصبح اتفاق الأغلبية قوانين ملزمة للأمة، ولو كانت مخالفة للفطرة والدين والعقل، ففى هذه النظم تم تشريع الإجهاض، وزواج المثليين، والفوائد الربوية، وإلغاء الأحكام الشرعية، وإباحة الزنا وشرب الخمر، بل بهذا النظام يحارب الإسلام ويحارب المتمسكين به.» أنا فاهم كويس جدا إن ده مش رأى كل علماء المسلمين ولا حاجة، بس أعتقد إن دى هى الإجابة اللى بيحصُل عليها اغلب من يسألون «رجال الدين» عن الموضوع، مع تحفّظى على تلك الكلمة اللى بتُلصق بكثير من الناس وهُم لا يستحقّونها. واحنا شُفنا بالفعل إختبارات صغيرة صحيح لكن سقطت فيها بعض الرموز الإسلامية سقطات عظيمة، فى إشارة بإصبع من حديد على مخاطر عبثهم بالشأن السياسى بلا علم. الديمقراطية بتتطلّب طُرق مختلفة فى عمل الأشياء، وعشان كده فكرة الأحزاب من أساسيات الديمقراطية، الديمقراطية هى طريقة عمل نظام الحكم، الطريقة اللى جميع من يمتهنون «السياسة» بيتبعوها وهم بيبيعوا أفكارهم لأصحاب الأصوات، وبيتّبعوها وهُمّ بيحققوا الأهداف اللى من أجلها إختارهم الناس. فكرة الطريقة المختلفة للأحزاب المختلفة هى اللى بتخلق منافسة بينهم، بإن كل واحد فيهم يدور على الطريقة الأفضل فى حل المشاكل وعمل التنمية اللى الوطن محتاجهم؛ سياسات مختلفة وترتيب مختلف للأولويات، عشان يبقوا مُتماشيين مع تغيّر الظرف التاريخى بتاع الدولة، فيه سنين تبقى الدولة محتاجة سياسات الحزب الفلانى أكتر من سياسات الحزب العلّاني؛ والشعب يسمع برنامج الحزب ده وأسباب إن طريقته هى الأحسن فى المرحلة دى، ولو اقتنع يدّيله الفرصة، لحد ما حد تانى بمنهج مختلف بطريقة مختلفة ينجح فى إنه يقنع الناس إن طريقته هى الأحسن دلوقتى وهكذا. وبالتالى يبقى رمّانة الميزان فى مسألة الديمقراطية هى وجود طرق ومناهج مختلفة فى الإدارة. وسواء شئنا أم أبينا إعترفنا أو لم نعترف؛ الحكم الإسلامى (بأنواعه) ماعندوش مكان لأى طريقة تانية. فإنت تبقى إسلامى كما يحلو لك، الدولة ماينفعش تبقى إسلامية، الدولة تلتزم بمسؤوليّاتها تجاه الفقراء وتجاه الإصلاح وتجاه المستقبل. ماينفعش حد ياخدها عشان تبقى بتاعته، لازم تبقى بتاعة الجميع. الديمقراطية هى حُكم «كل» الشعب إسلامى وليبرالى وشيوعى وكل الناس. وفى الحالة التركية اللى بيتَشدّق الكثيرون بإن حزب إسلامى هو اللى بيحكمها دلوقتي؛ الحزب ده حزب سياسى عنده طريقة لتحقيق متطلّبات الوطن زيُّه زى بقية الأحزاب، بس أهم ما يحكم المسألة هى إنّه لا يحكم بإسم الدين، بل بيحكم دولة مدنية، مادة دستورها التانية بتقول إنّها دولة عِلمانية. فبعد ما حجر الأساس المدنى يتحط، لو طريقة السياسيين «الإسلاميين» فى الحزب ده أقنعت الناس، بيدّوهم اصواتهم. مش عاجبهم إنجازهم، يتخلّصوا منهم بصندوق الإنتخابات اللى بعده، ويمشى الحزب ده وييجى اللى بعده من الناحية التانية خالص، ويسيب كل واحد فيهم بعد ما يمشى تكوين الدولة ونظام حكمها زى ما هو، ما زالت دولة مدنية علمانية؛ تركيا أتاتورك فى أصلها تجربة عِلمانية. بس ممكن جدا يحكمها رجال سياسة جزء من هويّتهم إنّهم مسلمين. والشعب التركى لمّا بيختار الحزب ده عشان يحكمه، مابيختاروش عشان هو إسلامى، بيختاره عشان برنامجه الإقتصادى عاجبُه. ولو هوّب الحزب ده أو غيره ناحية الحريّات أو ناحية علمانية الدولة حياكلوه. «إحنا عايزين نحكم بمرجعية إسلامية فكل ما نيجى نعمل حاجة نسأل كبار العلماء» يعنى هل معنى كده انّكو عايزين تستبدلوا النظام الديمقراطى برأى كبار العلماء؟ عايزين تستبدلوا صوتى وصوت نائبى فى البرلمان بصوت رجل دين انا أصلا ماعرفوش؟ مافيش حاجة إسمها ديمقراطية إسلامية وديمقراطية مش إسلامية، هى يا ديمقراطية يا لأ. فيه نسق أخلاقى إسلامى آه، بيعتمد على الشريعة طبعا لكن الشريعة مش نظام حُكم. هى الشريعة عندها طريقة تخلّى الجميع يشترك فى صنع قراره وينتخب من ينوب عنّه فى برلمانه اللى بيسنّله القوانين؟ عندها طريقة لإصلاح النظام الإدارى والتعليم؟ عندها طريقة لزيادة الإستثمارات؟ عندها طريقة لإصلاح الطرق وحل مشكلة العشوائيات؟ هل عند الشريعة الإسلامية أو أى شريعة أى دين فى الدنيا طريقة لفصل السلطات وتحقيق إستقلال القضاء وتحقيق توازن بين قوى السلطات التلاتة الحاكمة للدولة؟ هل عند الشريعة طريقة إسلامية لتحقيق منافسة شريفة على المناصب السياسية كما تتطلّب الديمقراطية؟ «طريقة» الحكم اللى بيختارها الناس هى الطريقة اللى بيشوفوا إنّها الأكفأ لعمل المهام المطلوبة من الدولة، مال ده بإن الإخوان عايزين سينما نظيفة مافيهاش بوس وأحضان انا مش فاهم؟ مال ده بالكلام عن المايوهات!؟ مال ده حتى ومال موضوع البنوك اللى هو موضوع خلافى بطبيعته؟ اللى شايف البنوك حرام مايتعاملش معاها، لو الشعب كلّه مش عايز يتعامل مع البنوك حتقفل البنوك، إيه علاقة الدولة بأهواء الناس؟ الدولة شغلتها التنمية، شغلتها تحقيق العدل، وشغلتها إقرار مبادئ الديمقراطية اللى اتّفق الكوكب كلّه على جدواها بعد تاريخه الطويل. من يريد حُكم مصر عشان يُمكّن الشريعة الإسلامية، ممثّلة فى بعض الرجال من الحُكم، هدفه مختلف عمّن يريد أن يحكم الوطن ليحقق أهداف الوطن. يا ترفع شعار الديمقراطية يا ترفع شعار الإسلامية، لازم تنقّى عشان نعرف انت مين.