قال الروائي والكاتب عز الدين شكري فشير، إن علاقة الروائي بعمله تنتهي تماما بمجرد الدفع به إلى المطبعة، ليكون بعدها ملكا لقارئه، وهو صاحب «السيادة العليا» في التعامل مع هذا العمل، قبولا أو رفضا، فله كامل الحق إذا لم يرضه هذا العمل أن ينحيه جانبا ويلتفت لشئونه الأخرى. وأضاف فشير أن الكاتب، أي كاتب، يتوجه بروايته للقارئ، القارئ العادي، الذي ليس بالضرورة أن يكون متخصصا أو دارسا للأدب أو الرواية حتى يتواصل معها، فمن خلال النقاشات والأسئلة التي يطرحها ويشارك فيها هؤلاء القراء الكرام تنفتح على آفاق بعيدة من الجدة والطرافة والذكاء، وتمسك بأفكار لم تخطر لك ببال، مثل ما هو حادث الآن في هذه الندوة، وهو ما يجعلني أنحني تقديرا لهؤلاء القراء وأشكرهم على ما بذلوه من عناء ووقت لقراءة الرواية والمشاركة في مناقشتها، خصوصا من الشباب المتحمس لقراءة الرواية وتعامل معها بكثير من الحب والحميمية. جاء ذلك خلال حفل توقيع ومناقشة رواية «عناق عند جسر بروكلين»، الذي نظمته مكتبة «ألف» بالزمالك، وشارك فيها الدكتور عماد أبو غازي وزير الثقافة السابق، والكاتب الصحفي سيد محمود، وكاتب هذه السطور، وأدارها عماد عدلي، مدير مكتبة ألف، وبحضور الكثير من قراء ومحبي عز الدين شكري. سيد محمود، الكاتب الصحفي بالأهرام، أشار إلى أن رواية «عناق عند جسر بروكلين» التي دخلت القائمة القصيرة للبوكر العربية 2012، ورغم أنها تتناول قصة المهاجرين العرب في الولاياتالمتحدةالأمريكية، إلا أنّها مفتوحة بشكل كبير على “مأزق الوجود الإنساني الشامل”. وأوضح أن «عِناق عند جسر بروكلين» تتعرض لقصة الدكتور درويش، أستاذ التاريخ المصري المهاجر إلى أمريكا والحاصل على الدكتوراه في التاريخ من جامعة لندن، والمقيم بنيويورك حيث يقدم نموذجا ناجحا للمهاجر المندمج في الحياة المتفوق في عمله، لكنه ورغم كل ذلك يفشل تماما في التواصل مع أفراد أسرته، ويكون درويش هو النقطة التي تنطلق منها خيوط السرد المتشعبة داخل الرواية حيث شبكة من العلاقات الاجتماعية والإنسانية التي نتابعها من حوله: زوجاته السابقات، وابنه وابنته وحفيدته سلمى، أصدقاؤه ومريدوه، خصومه وكارهوه. وأعرب محمود عن سعادته البالغة بآراء الكثير من الشباب الذين عبروا عنها بحماسة لافته، قائلا «رغم مشاركتي في ندوات كثيرة بحكم المهنة، إلا أن الشباب الذي شارك في هذه الندوة حول «عناق عند جسر بروكلين»، كان مفاجأة كبيرة، مصر بالفعل دولة عظمى، شكرا للثورة التي جعلتنا نرى هؤلاء». الدكتور عماد أبو غازي، وزير الثقافة السابق، قال إنه من أوائل الذين تعرفوا مبكرا جدا على إبداع عز الدين شكري فشير الروائي، وأنه كان من السابقين في قراءة روايته الأولى «مقتل فخر الدين»، بعد أن تعرف على فشير عن طريق صديق مشترك، وكان عز وقتها يعمل بالسلك الدبلوماسي، وحيث فوجئ، يتابع أبو غازي، بأنه أمام عمل روائي عميق مكتوب بوعي واقتدار، يشيان بأن صاحب هذا العمل سيكون له شأن كبير في كتابة الرواية. وأضاف أبو غازي أنه تابع كل أعمال شكري فشير بعد ذلك، وقرأها جميعا، وتوقف بالأخص عند روايته التالية لمقتل فخر الدين، «أسفار الفراعين» التي يراها من أهم الأعمال الروائية التي صدرت في العقد الأخير، ثم وبعد اكتمال رباعيته (مقتل فخر الدين) و(أسفار الفراعين) و(غرفة العناية المركزة) و(أبو عمر المصري) تأكدت من أن شكري سيكون أحد أهم الروائيين المصريين خلال السنوات التالية، وأنه سيكون في صدارة المشهد الروائي المصري والعربي، وهو ما تحقق بالفعل، بعد النجاح الكبير الذي حققته رواياته، ووصوله للبوكر مرتين، الأولى عام 2009 عن روايته «غرفة العناية المركزة»، والعام الحالي عن «عناق عند جسر بروكلين». وأكد أحد المناقشين، خلال الندوة، أنه منذ صدورها يونيو 2011م، طرحت «عِناق عند جسر بروكلين»، لعز الدين شكري فشير، نفسها كإحدى أهم وأجمل الروايات المصرية والعربية الصادرة خلال العام الماضي، وأضحت أرضا خصبة لعديد من القراءات والتأويلات، مشيرا إلى أن حظها منها كان قرابة المقالات العشر خلال النصف الثاني من العام الماضي فقط، عدا الحوارات واللقاءات الشخصية مع مؤلفها، والندوات التي عقدت لمناقشتها. وأرجع هذا الاهتمام النقدي لعوامل عدة ليس أهمها وصولها إلى القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية، البوكر 2012م، وهي المرة الثانية للكاتب التي تصل فيها إحدى رواياته إلى قوائم ترشيحات البوكر، الطويلة والقصيرة، إنما بسبب ما تطرحه من رؤى جديدة وأسئلة وجودية حول أزمة الإنسان المعاصر، ماهيته ومصيره، ومن ضمنها إشكاليات العلاقة القديمة الممتدة بين الشرق والغرب، وأزمات الذات والهوية، وغيرها. وردا على الأسئلة التي طرحها الحضور حول الرواية والقضايا المتصلة بها أو عن الكتابة بشكل عام، قال عز الدين شكري مجيبا عن سؤال: هل يجب على الكاتب أن يطرح إجابات على الأسئلة التي يثيرها في عمله؟ إن الكاتب الحقيقي من وجهة نظره هو الذي يحض على السؤال، ويطرح من الأسئلة المثيرة للتأمل والبحث ما يحفز قراءه ومتابعيه على محاولة الإجابة عنها. وأكد صاحب «عناق عند جسر بروكلين» أن هناك بالتأكيد من يكتب وفي ذهنه إجابات مسبقة تظهر في أعماله وتكشف عن رؤاها بوضوح ويُسرٍ لقارئها، لكنه لا يميل إلى هذا النوع من الكتابة، معتبرا أن الأسلوب الذي يفضله هو إثارة القضايا وطرح التساؤلات في ذهن القارئ، وهو ما يراه الأنسب في خلق حالة من الوعي المتجدد عوضا عن تقديم الإجابات المسبقة أو المعلبة. وعقب أحد المناقشين على هذه الجزئية بقوله إنه ينبغي عدم إغفال حقيقة مهمة، وهي أن غاية الأدب والإبداع عموما، هي صياغة الأسئلة وطرحها لا الإجابة عنها؛ فالأجوبة قصيرة العمر يطويها النسيان بمجرد استنفاد مهمتها في الإشارة إلى أسئلة جديدة تتراءى خلفها.