«هل سيادتكم راضٍ عن الأداء الحزبى وما يقال عن التحالفات الانتخابية؟». سؤال سأله الأستاذ عماد الدين حسين للرئيس السيسى فى اللقاء الذى جمع الرئيس مع بعض رؤساء تحرير الصحف، عقب المناورة التعبوية للقوات البحرية المصرية. السؤال ليس بالبساطة أو البراءة التى يبدو عليها، فلعل الأستاذ عماد كان يريد أن يتبين مدى صحة ما يقال عن عدم ثقة الرئيس فى الأحزاب وعدم اهتمامه بها أو التعويل عليها.. قال الرئيس فى إجابته: «علينا أن لا نبحث عن الرضا، بل أنْ يؤدى كلٌّ منا دوره». ثم استأنف.. «الشروق جريدة مصرية فلماذا لا تعقدون ندوة أو مؤتمرًا وأنا على استعداد أن أرعاه، تناقشون فيه مستقبل القوى السياسية وكيفية تحقيق التوافق الوطنى ومشاركة الشباب». انتهت إجابة الرئيس عن سؤال رئيس التحرير عند هذا الحد. ولأن القلوب خزائن والأقوال مفاتيحها.. فكان أنْ نظرت فى رد الرئيس وفكرت فوجدت الإجابة تفصح عن عدة أمور: الأمر الأول: أن الرئيس لا يأبه بمن يجعلون هدفهم إرضاءه، ولكنه يهتم بأن يقوم كلٌّ بدوره، وعنده كل الحق فى ذلك، فإذا ما أصبح الهدف من العمل نيل رضا الرؤساء، فإن ذلك لا شك يفتح أبواب الطاعة العمياء والكذب والنفاق أمام المرؤوسين يختل المقياس لدى رؤسائهم ويصبح الولاء لا الأداء، هو الأساس. الأمر الثانى يفصح عنه الجزء الثانى من الإجابة، حيث طلب من جريدة «الشروق» عقد مؤتمر للقوى السياسية ولكنه صاغ طلبه فى شكل سؤال «لماذا لا...» مما يدل بشكل أو بآخر على أن الرئيس يُحب أن يُخضع الأمور للمناقشة، فصياغة الطلب فى صورة سؤال تُظهر الاستعداد لتقبل الرأى الآخر، وهذه خصلة ديمقراطية محمودة، كما أن صياغته الطلب أو الرغبة فى شكل تساؤل ليس آمرًا، يدل على تمتعه بفضيلة التواضع. الأمر الثالث: تُبين الإجابة اهتمامه بالقوى السياسية وبقيامها بدورها، على عكس ما يعتقد كثيرون، وقوله «وأنا على استعداد لرعايته...» يؤكد ما ذهبت إليه. الرئيس بلا شك يدرك أنه أول وآخر رئيس مستقل مُنتخب رشحه الشعب على مُختلف فئاته وطوائفه، فهذا الأمر يصعب إن لم يستحل تكراره مستقبلًا مع أحد غيره، فشرعية ترشيح الشعب له وإجماعه فى الانتخابات عليه كانت وليدة موقفه من التحدى الذى خاضه تلبيةً لرغبة الشعب وانحيازًا له فى الظروف العصيبة التى كانت تمر بها البلد وقتها، فخلوُّ الوطن من القوى السياسية «الفاعلة» يعرضه فى المستقبل إلى أزمات سياسية طاحنة، ويجعل نظام الحكم الذى قرره الدستور حبرًا على ورق، فالأحزاب السياسية هى القاعدة الأساسية التى بُنى عليها نظام الحكم فى الدستور الجديد، مما يجعلها مؤسسات دستورية، خليقة بأن تحظى بالعناية من الدولة والشعب معًا، ويلقى عليهما واجب بذل الجهد اللازم لدعمها وتطويرها، فبدونها لا وجود لتعددية، ولا لتداول سلطة، مما يقوض نظام الحكم الديمقراطى المنشود والمنصوص عليه فى الدستور. وقتها سوف تكون الخسارة فادحة يدفع ثمنها المواطنون، لأن نظام «الحكم الدستورى الديمقراطى» هو نظام الحكم الوحيد الذى يبث فى نفوس المواطنين الشعور بالأمن والطمأنينة، نظرًا إلى إحاطته حقوقَهم بسياج من سيادة القانون، فهو يمنع استبداد الأكثرية بمصالح الأقلية، ويضمن عدم تحكم الأقلية -ولو كانت نافذة- فى حقوق الأكثرية. الحرية فيه لا تهتضم النظام، ولا النظام فيه يجور على الحريات، هذا النظام المبتغى الذى أصبح من حق الشعب المصرى بعد ثورتين، التمتع به والعيش فى ظله آمنين مطمئنين مستقرين، يتقوض من أساسه إذا ما ضعفت الأحزاب السياسية، أو تقاعست عن القيام بدورها، فى كل الدول التى تأخذ بنظم الحكم القائمة على التعددية الحزبية. تهتم الدولة بالعمل على تمكين الأحزاب السياسية وتضييق منافذ وصول المستقلين إلى البرلمان أو السلطة السياسية، ضمانًا لتطبيق دساتيرها، ولتفعيل مهام الأحزاب التى أناطتها بها دساتيرها، بل وتعمل على توفير السبل القانونية والدستورية لتمويل الأحزاب، حتى لا تقع فريسة لرأس المال، وتشجع المواطنين على المشاركة السياسية بالانضمام إليها، سواء بالتعليم أو الإعلام. حسنًا فعل رئيس تحرير «الشروق» حين سأل الرئيس، وحسنًا فعل الرئيس حين أجاب بتلك الكلمات، فمن المطمْئِن للشعب أن تأتى إجابة الرئيس تبين اهتمامه بمستقبل القوى الحزبية والسياسية، والتى سيقوم عليها نظام الحكم، ولأن الكلمات، كما قلت، مفاتيح القلوب فأنا أرجو وأتمنى أن يأتى المؤتمر ببيان مُصاغ بكلمات مُخلصة للصالح العام، تخلو من الخلاف والمزايدات. ■ ينشر بالتزامن مع جريدة «الشروق»