بعد نجاح الثورة فى تونس تذكرت ذلك المشهد.. وبعد نجاح الثورة فى مصر تذكرته أيضا.. وبعد نجاحها فى ليبيا ها أنا ذا أتذكره.. إنه بمثابة كلمة «أكشن» التى قالتها السماء فى وجه الكوكب.. العلامة التى بدأت بعدها تلك المعزوفة من ثورات الكرامة فى العالم العربى.. بدأ المشهد طبيعيا تماما.. جاموسة وحشية صغنتوتة ترعى على حافة البحيرة تتربص بها ستة أسود جائعة.. تهجم عليها بشكل مباغت يشل حركتها لتصبح رقبتها فى خلال ثوان معدودة بين فكى أحد الأسود وليصبح فكها نفسه بين فكى أسد آخر، مما يقلل من فرص نجاتها أكثر.. وهكذا أصبح كل ما يتبقى أمامك كمشاهد هو متابعة ما يحدث انتظارا للحظة التى تتوقف فيها الجاموسة الوحشية عن الفلفصة لتبدأ الأسود بعدها فى تناول وجبتها الدموية.. ظل المشهد طبيعيا حتى بعد خروج تمساح ضخم من الماء جاء هو الآخر ملبيا نداء الطبيعة وشاددا الجاموسة الصغيرة من ذيلها إلى الماء ومحاولا اختطاف الفريسة من الأسود الستة التى تمسك بها.. صراع قاس لا تملك معه سوى انتظار معرفة من سوف يظفر بالفريسة فى النهاية.. الأسود ولاّ التمساح! استمرت لعبة شد الحبل تلك لعدة ثوان أخرى استطاعت الأسود بعدها حسم الصراع لصالحها وانتزاع الجاموسة من بين فكى التمساح ليعود إلى الماء كمن أدى مهمته الموكولة إليه والمتمثلة فى تأخير الأسود شوية حتى حدوث شىء ما لا يعلمه أحد حتى تلك اللحظة! ... وفجأة.. وبينما تتأهب الأسود لتناول وجبتها، يحدث ما لم يكن أحد يتوقعه وما لم تكن الأسود تتوقعه وما لم تكن الجاموسة الوحشية الصغنتوتة نفسها تتوقعه وما لا يتفق مع قوانين الطبيعة التى نعرفها جميعا.. تهدر الأرض تحت وطأة حوافر كثيرة لقطيع ضخم من الجاموس الوحشى جاء مقررا إنقاذ تلك الجاموسة الصغنتوتة من بين أنياب ومخالب الأسود الغشيمة.. تنطلق جاموسة شجاعة لتنطح أحد الأسود.. تتشجع بعدها جاموسة أخرى فتنضم إليها لتطيح بأسد آخر فى الهواء.. تفلت الأسود الباقية الجاموسة الوحشية لتنطلق أمام أعيننا وتنضم إلى باقى القطيع دون أن يمسها سوء.. وعلى الرغم من أن انتهاء المشهد على مثل ذلك النحو فى حد ذاته يعد عجائبيا تماما.. فإن قطيع الجاموس قرر أن يدهشنا أكثر فأخذ فى مطاردة ومهاجمة الأسود بحيث أصبح الأسد الذى كان منذ بضع دقائق فقط عامل فيها ميت راجل فى بعض، أشبه بأرنب مذعور تتقاذفه نطحات الجاموس الغاضب إلى أعلى ليهبط إلى الأرض أكثر ذعرا وارتعابا ورغبة فى الهرب! كانت تلك هى تفاصيل الفيلم الوثائقى البسيط صاحب نسبة المشاهدة الأعلى على «يوتيوب» فى أواخر العام المنصرم.. ذلك الفيلم الذى تم تصويره بكاميرا عادية لسائح شاءت له الأقدار أن يكون فى هذا المكان بالذات فى ذلك الوقت بالذات لمشاهدة ذلك الكسر لموازين القوة والطبيعة التى كبرنا ونحن نظن أنها هى الحقيقة النهائية.. ولإيصال رسالة سماوية إلى أهل الكوكب مفادها أنه ليس على ظهر ذلك الكوكب الملعب مستحيل إلا فى خيالاتنا فقط.. أما على أرض الواقع.. فليس سوى أن تريد! إذن.. أصيب قطيع الجاموس البرى بحالة مؤقتة من التخلص من الخوف دفعته إلى الثورة على قانون الغابة الأزلى ونطح الأسود.. بينما أصيبت الأسود بحالة مؤقتة من الشعور بالخوف دفعتهم إلى نسيان قانون الغابة والهرب كالأرانب المذعورة.. إنها الطبيعة تعيد تشكيل نفسها تبعا لأرض الواقع الفعلى.. تماما كما حدث منذ عدة قرون سحيقة مع الكائن الأضعف على ذلك الكوكب.. الإنسان.. الذى أخضع الوحوش المفترسة وموارد الأرض الطبيعية جميعها لسطوته ليعيد بالتدريج تشكيل موازين القوى على سطح ذلك الكوكب.. لهذا عندما حدث خلل بداخل الجنس البشرى نفسه كان طبيعيا تماما أن تعيد الطبيعة تشكيل نفسها مرة أخرى لتصبح من كنا نظنها الفئة الأضعف بين جنسنا البشرى.. ألا وهى فئة الشعوب.. هى الفئة الأقوى والغالبة على من كنا نظنها الفئة الأقوى بين جنسنا البشرى.. ألا وهى فئة الحكام الطغاة! والآن.. ما الحكمة النهائية المستفادة من تلك الحتة الدرامية من الاسكريبت السماوى؟! أن تعلموا أن الخوف كالفيروس الذى لا يستطيع العيش بعيدا عن العقول.. الخوف ليس له أجنحة.. هو بحاجة دائمة إلى عقل ليستوطنه.. لهذا.. إذا أنتم طردتم الخوف من عقولكم.. فاعلموا أنه لن يرفرف فى الهواء فوق رؤوسكم وإنما سوف ينتقل إلى عقول خصومكم.. وعندها.. اعلموا أنكم سوف تنتصرون!