فى الوقت الذى اتشحت فيه مصر بالسواد حزنا على شبابها، الذى اغتالته الجماعات الإرهابية فى سيناء، وخرجت الأمهات الثكلى يعبرن عن حزنهن على فراق أبنائهن، وكانت المشاهد مصرية بامتياز، حيث اختلطت دماء الشهداء المصريين من مسلمين ومسيحيين، خرج علينا الدكتور ياسر برهامى ليغنى بأن القتيل المسيحى ليس شهيدا، ومن ثم لن يدخل الجنة، وقد تولت وزارة الأوقاف الرد على هذه الفتوى الشاذة واللا إنسانية، إلا أن السؤال يظل عما يريد ياسر برهامى وأشكاله من عناصر التيار السلفى، خرج ليقول لنا إن من يضحى بحياته من أجل الوطن إذا ما كان مسيحيا فسوف يذهب إلى النار، وإذا ما كان مسلما فسوف يدخل الجنة. بالطبع فتوى مثل هذه تنسف النسيج الوطنى المصرى، فما أقسى من أن تستمع أم ثكلى وهى تودع فلذة كبدها أن هناك من يكفره وينشر فتواه على الملأ، وأكثر من ذلك لم يوقفه أحد، ولا جرت محاسبته على مثل هذه الفتاوى الشاذة المعادية للوطن، بل والمشاركة لمن يحمل السلاح ضده، فالإرهاب لا يمارس عبر السلاح فقط، بل يبدأ فكريا وينتقل شعوريا ويخرج فى شكل سلوك، فلا يوجد إرهاب دون جذر فكرى، ولا يوجد إرهاب دون انفعال. فالإرهاب يبدأ على المستوى الفكرى، وذلك من خلال حمل أفكار متعصبة ضد الآخر، وهذه الأفكار تتغلغل فى العقل، وتسيطر عليه، ثم تبدأ المرحلة الثانية، وهى التفاعل مع هذه الأفكار، وأخيرا يخرج التعصب فى شكل سلوكى، وهو الفعل الخارجى، الذى يبدأ من التجنب، أى تتجنب المختلف دينيا، طائفيا وأيديولوجيا، ثم يتطور الأمر إلى الهجوم الجسمانى، الذى يتنوع ما بين الاعتداء الجسمانى، وصولا إلى الإبادة الجماعية. من هنا فإن كلمات برهامى التى أفتى فيها بأن «القتيل» المسيحى فى صفوف القوات المسلحة لن يدخل الجنة لأنه كافر، ومن ثم لا يمكن أن يطلق عليه لفظ شهيد، هذه الكلمات هى فى جوهرها ممارسة للإرهاب، فهو بذلك يضع الأساس الفكرى للإرهاب، فدون الأفكار المتعصبة والمتطرفة التى يحملها أمثال برهامى، ما كان يمكن أن ينشأ الإرهاب، فأمثال برهامى يضعون الأساس الفكرى للإرهاب، ويقومون عبر الخطب والأحاديث بتجنيد الشباب لممارسة أعمال القتل والإرهاب، يتحدثون ويحضون ويحرضون على القتل، وتكون النتيجة ما نشهده اليوم من عمليات قتل وإرهاب فى أنحاء مصر، وسفر إلى سوريا والعراق وليبيا للالتحاق بتنظيم «داعش» وجبهة «النصرة». جاء الرد سريعا من الشعب، فقد تجلت مشاعر المصريين الوطنية فى مشاهد المواساة المشتركة، كما مارس الإعلام المصرى الخاص تحديدا، دوره الوطنى فى تأكيد تقدم الوطنى على الدينى، وأن المصريين سواء، وجاء رد الأوقاف المصرية ليقدم نموذجا رائعا للتوافق الوطنى، حيث أكد أن المسيحى الذى يقتل دفاعا عن الوطن هو شهيد، ويمكن أن يتقدم على المسلم فى الجنة. ما نشدد عليه هنا هو أن الإرهاب الفكرى لا يقل خطورة عن الإرهاب والعنف المادى، بل إن الفكرى هو مقدمة المادى، ودون الفكرى لن يكون هناك إرهاب مادى، ومن ثم لا بد من محاسبة كل من يروج الأفكار المتطرفة ويزرع الفتن فى أرض الوطن.