طوال اليوم وأنا أفكِّر مَن ستكون بطلة مقالى: ملالا أم حنين؟ أنا معجبة بملالا الباكستانية ولكننى متعاطفة مع حنين المصرية، ملالا العالم كله ساندها فى معركتها ضد التخلُّف الذى يرتدى عباءة الدين، دفعت ثمن جرأتها بمحاولة «طالبان» اغتيالها منذ عامين، هذه الفتاة الصغيرة ذات السبعة عشر ربيعًا، أصبحت أيقونة للشجاعة فى مواجهة الإرهاب الفكرى واستحقت جائزة نوبل للسلام، ولكن حنين تلك الطفلة الإسكندرانية الفقيرة ذات السنوات العشر، لم تجد مَن يدافع عنها، وكأنها من كوكب آخر كُتبت عليها العزلة وقُدّر لها العذاب. اخترت فى النهاية حنين، التى تتكرر مأساتها كثيرًا فى مصر، خصوصًا بين الطبقات الفقيرة، حيث يعتبر الآباء أطفالهم متاعًا لهم يحق أن يتصرفوا فيه كيفما شاؤوا بالضرب أو التعذيب الذى يصل أحيانًا إلى القتل على مسمع ومرأى من المجتمع المتقاعس عن إنقاذهم. حنين من ضحايا التفكّك الأسرى، تركتها أُمها وهى صغيرة بعد أن ضاقت بالحياة مع أبيها، الذى لم يستطع أن يرعاها وحده، التقى بالصدفة صابرين وتزوجها عرفيًّا، بعد فترة قصيرة لاحظ أنها فتاة لعوب وعرف أن أُمَّها سيئة السمعة، ولكن للضرورة أحكام، كان يريد مَن يرعى طفلته مجانًا، لم يطق الحياة مع حماته فترك ابنته سجينة بين يدى حيّة وهرب، عاشت حنين مع زوجة أبيها وهى تعتبرها أُمَّها. بعد عدة سنوات تزوَّجت صابرين مرة ثانية وذهبت لتعيش مع زوجها فى محافظة أخرى، وتركت حنين مع أُمِّها سناء التى كانت تكره الطفلة وتحقد على أبيها. حرمتها من التعليم وحبستها فى الشقة، اتخذتها خادمة دون أجر، كانت تضربها بعنف لأتفه سبب، حتى إنها كسرت لها فكَّها السفلى وتسببت فى خلع سنتين، كانت تضربها بعصا غليظة مدببة تركت آثارًا محفورة على ظهرها وبطنها. عادت صابرين إلى منزل أُمِّها ومعها زوجها الجديد هشام، ولكن هذه المرة حوَّلت سناء وابنتها الشقة إلى مكان لممارسة الأعمال المنافية للآداب، وزاد شقاء حنين حتى اليوم الذى داهمت فيه الشرطة الشقة منذ أسبوع. وهم يفتشون الشقة عثروا على حنين، وجدوها فى المطبخ تمسح أرضيته، كانت فى حالة إعياء شديد غافلة تمامًا عما يحدث بالخارج، وحين اقترب منها الضابط صرخت مرعوبة حتى فقدت الوعى، كانت تظنّه سيفعل بها ما تفعله سناء، كانت حالتها خطيرة، نقلوها إلى مستشفى العامرية ودخلت العناية المركزة، ونقلوا لها عدة أكياس دم. كان جسدها مشوّهًا وكذلك روحها، اكتشف الأطباء بعد فحصها أن غشاء البكارة مُزِّق بعنف. عندما سألوها عمن ألحق بها كل تلك الإصابات قالت وهى ترتجف: «سناء كانت بتموّتنى من الضرب عشان أعمل شغل البيت، وكانت بتحرقنى بفحم الشيشة فى كل جسمى، ولما كنت باصرخ كانت بتعضنى، وهى عضتنى مرة فى ودانى ونزلت منى حتة جلدة فراحت شايلاها بالمقص». هل يمكن أن تتخيَّلوا الرعب الذى عاشته هذه الطفلة سيئة الحظ؟! عندما سألها الأطباء ورجال الشرطة: نفسك فى إيه يا حنين؟ قالت: «عايزة البوليس يضربهم جامد زى ماضربونى ومش عايزة أروح معاهم البيت تانى». لا أعرف هل رأت حنين بعينها القصاص من الذين آذوها أم لا؟ وتساءلت عن مصير المسكينة؟ فى نفس الأسبوع كانت هناك ضحية أخرى: داليا (3 سنوات) عذَّبها أبوها المزارع حتى الموت، لأنها كانت تبكى بسبب طلاق أُمها التى أبعدها عنها. أمثال حنين وداليا مئات، لا نعرف عنهن شيئًا، لأن الأمر لا يصل إلى الشرطة، والجيران والأقارب يفضّلون عدم التدخّل ولسان حالهم «دول عيالهم همّ أحرار فيهم». قرأت منذ يومين خبرًا عن مارك وسميرة. أبوان فرنسيان يعيشان فى بلدة صغيرة بمنطقة «بورجونى» وسط فرنسا، رفضا تلقيح ابنتهما التى تبلغ ثلاث سنوات، اعتبرا الأمر شخصيًّا لا يمكن أن يجبرهما عليه أحد، لكن طبيب الأسرة الذى يتابع الطفلة منذ مولدها انتبه إلى الأمر وأرسل إشعارًا إلى «هيئة حماية الأم والطفل» يخبرها فيه بامتناع الأبوين عن تلقيح الطفلة. فما كان من تلك الأخيرة إلا أن رفعت الأمر مباشرة إلى (النائب العام). القضية تطوَّرت لدرجة أن المحكمة الجنائية استدعتهما للمثول أمامها وهما معرضان لحكم بالسجن عامين وغرامة 30 ألف يورو، فى حال ثبتت عليهما تهمة «التهرب من الالتزامات القانونية» تجاه ابنتهما، الذى قد يتسبب فى الإضرار بصحتها ومستقبلها. الزوجان وكَّلا محاميًا، وجد الأخير أن موقفهما قانونى فدستور فرنسا لعام 1958 يمنح الأسرة الحق فى تلقيح أبنائها، ولكن أيضًا يمكنها الامتناع عن ذلك فى حال اتخاذ احتياطات لصالح الأطفال. الأمر لم يحسمه القضاء حتى الآن، ولكن تبقى المقارنة معقودة بين مجتمع يجد نفسه مسؤولاً عن صحة طفلة قد تتأثر بسبب عدم تلقيحها ومجتمع لا تتحرك فيه أى جهة حكومية (المجلس القومى للطفولة والأمومة والقومى لحقوق الإنسان) أو جمعية أهلية بعد نشر قصة طفلة تعرَّضت للتعذيب وأخرى للموت.. نقول إيه بلاد كافرة صحيح.