قد يخفى على كثيرين قصة قناة «الجزيرة» القطرية، فالأمر يعود إلى عام 1995، حين كانت قطر البلد الصغير، مع موعد سيغيّر فى ما بعد تاريخ الإمارة والمنطقة كلها، ففى يوم 27 يونيو 1995، كان الشيخ حمد بن خليفة آل ثانى ولى العهد وقتها، يودّع والده أمير البلاد الشيخ خليفة آل ثانى فى مطار الدوحة، وما أن خرج الأمير الأب من البلاد، حتى حدثت المفاجأة، قطع التليفزيون القطرى الإرسال، وأعلن البيان رقم واحد، باستيلاء الابن ولى العهد (حمد بن خليفة آل ثانى) على السلطة، مطيحًا بأبيه!! ثم عرض التليفزيون القطرى، مشاهد لمشايخ الإمارة يبايعون الأمير الجديد، ثم حدثت محاولة انقلابية أخرى لصالح الأب هذه المرة على الابن، قيل عن طريق مصادر قطرية متعددة لاحقًا، إن قطر تعتقد أن هذه المحاولة الانقلابية كانت بخطة سعودية-مصرية ضد حمد بن خليفة لصالح أبيه، فشلت هذه المحاولة وبقى أمير قطر حمد بن خليفة، حتى «ورث» الحكم لابنه تميم مؤخرًا! بدا أن سلاح الإعلام هو السلاح الرابح فى المنطقة، فقد أغلقت للصدفة وقتها قناة ال«بى بى سى» العربية، التى كانت بتمويل سعودى، لتناقض بين سياسة هيئة التحرير البريطانية والمملكة العربية السعودية سنة 1994، وبدأت قناة «الجزيرة» فى نوفمبر 1996، وبإمكانيات كبرى، مستفيدة من طاقم ال«بى بى سى» العربية، وإمكانيات مادية لا حدود لها، وفى ظرف سنوات عشر (1996 - 2006) كانت قناة «الجزيرة» تتربع على عرش ثقة المواطن العربى، فهى القناة التى نقلت أصوات مَن لا صوت لهم، من المعارضة فى كل البلدان العربية تقريبًا، إلا قطر والمتحالفين معها، وقد تمتعت فى تلك الفترة الذهبية «الجزيرة» بمعايير مهنية عالية، بدا أمامها الإمكانيات الرسمية للتليفزيون الرسمى المصرى فى أقل درجات المنافسة. سلاح الإعلام وسيلة رائعة إذا استخدم كأداة من أدوات القوى الناعمة، أما إذا تحوّل إلى سلاح موجه بكل هذه القوة الخشنة، فإنه ينقلب دائمًا إلى نتيجة عكسية، وهذا هو المأزق الذى وقعت فيه قناة «الجزيرة»، تحوَّلت أخيرًا مع تصاعد مشروع الشرق الأوسط الكبير المدعوم أمريكيًّا، من سلاح ناعم إلى سلاح خشن، يدعم تقدم تيار الإسلام السياسى -المدعوم أمريكيًّا كذلك- دعمًا قويًّا، بغض النظر عن المهنية والموضوعية، ففقدت قناة «الجزيرة» السواد الأعظم من جمهورها، وتحوَّلت من قناة كل العرب إلى قناة الإخوان وحلفائهم!! ثم كانت قناة «الجزيرة مباشر مصر» تحديدًا، لسان حال جماعة الإخوان بأكثر ما هى قناة تقدم خدمة إعلامية موضوعية. قد يبدو أن زمن الإذاعات الموجهة فى الحروب العالمية تريد قطر إعادته فى مصر!! كأن مصر الدولة الكبرى عربيًّا، يمكن أن تكون تابعة لقطر، بسبب قوة سلاح الإعلام لديها، الغريب أن نظام الحكم القطرى هو نظام ترسخ بانقلاب واضح، من ابن على أبيه، وببيان رقم واحد، صدر عن التليفزيون الرسمى، والحاكم الحالى هو «وريث» الأب المنقلب على الجد!! ثم تحدثك «الجزيرة مباشر مصر»، عما جرى فى 30 يونيو بأنه انقلاب عسكرى!! رغم كل الملايين المحتشدة فى الشوارع، ولم نرَ مثلها فى قطر مثلًا لحظة تولّى حمد بن خليفة! أو لحظة نقل السلطة «توريثًا» لابنه تميم، وأعتقد أن على التليفزيون المصرى أن ينتج فيلمًا تسجيليًّا يحكى ما جرى فى قطر فى عام 1995، تحت عنوان «انقلاب فى قطر».. ليعلم الجميع مَن هم الانقلابيون الأصليون!!