بيان الاتحاد الأوروبى أمام مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة فى چنيف، لا يكشف فقط عن سوء النيات تجاه مصر، ولا عن ازدواجية المواقف عند الجانب الأوروبى فحسب، ولا عن التزييف المتعمد للحقائق التى تعرفها الحكومات الأوروبية جيدًا، ولكن الأخطر من كل ذلك أنه يكشف عن «أچندة» خاصة للتعامل مع المنطقة العربية بهدف الوصاية والهيمنة، ويثير الكثير من علامات الاستفهام حول حقيقة الموقف الغربى من الإرهاب، وكيف يدعو إلى حرب شاملة ضده، بينما هو -فى الحقيقة- يستخدمه لتحقيق مصالحه، ولا يقاتل إلا مَن يخرج عن الخط المرسوم له.. فالمطلوب أن يكون الإرهاب موجودًا، ولكن فى الخدمة، وحسب الطلب!! بينما كانت مصر تخوض حربها الحاسمة ضد الإرهاب وترفض أى مساومة فى ذلك، كانت أوروبا تسير فى ذيل أمريكا، وتشاركها فى الضغط على مصر، وفى محاولة حصار ثورتها التى أسقطت فى 30 يونيو الحكم الفاشى الذى كان يتمتع برضا أمريكا وحلفائها!! وبينما كانت مصر تقدم أغلى أبنائها شهداء لاستعادة سيناء من يد الإرهاب، ولحماية حدودها من تمدد الفوضى والإجرام اللذين يعصفان بالدول المجاورة، وللوقوف فى وجه إخوان الإرهاب وهم يحاولون الانتقام من الشعب الذى أسقطهم ومن الجيش الذى انحاز لإرادة الشعب، وبينما مصر فى هذا الموقف الصعب والشجاع، كانت أوروبا توقف المساعدات وتمنع السلاح وتستمر فى دعم الإرهاب الإخوانى وتحاول إنقاذ قياداته من السقوط النهائى. وقد كنا نتصور -بعد عام من سقوط الحكم الفاشى- أن الحقائق أصبحت أكبر من كل محاولات التزوير والتآمر. فمصر قد سارت فى طريقها تحارب الإرهاب بيد، وتبنى مستقبلها باليد الأخرى. وخريطة المستقبل إلى الدولة الديمقراطية التى تساوى بين كل أبنائها يجرى تنفيذها. والدولة التى كادت تنهار يعاد بناؤها. والحكم الفاشى الذى أسقطه الشعب، والذى دعمه الغرب ضمن مخططه للهيمنة على المنطقة، انكشف للجميع بخيانته للوطن، وبتآمره على سلامة أراضيه، وبسعيه إلى فرض سلطة الإرهاب باسم الدين الحنيف. وكنا نتصور أن الغرب قد استفاق بعد أن ثبت أن ما حذرت منه مصر قد وقع، وأن مهادنة الإرهاب أو التعامل مع بعض فصائله على أنه حليف يحقق مصالح مَن يدعمه كان الخطيئة التى انتهت بنا إلى «داعش» وأخواتها. وانتهت بأوروبا وأمريكا إلى طلب التحالف مع العالم لمواجهة الخطر الذى دق أبوابها وهدد مصالحها وبدأ فى ذبح مواطنيها. كنا نتصور أن دول الغرب سوف تدرك مدى الخطأ الذى ارتكبته بموقفها اللا أخلاقى من ثورة مصر، وبانحيازها ضد إرادة شعب خرج بكامله ليسقط حكما فاشيا كان يريد إعادة مصر إلى العصور الوسطى، لكن يبدو أن موقف مصر من قضية التحالف الدولى الذى تحاول أمريكا وحلفاؤها الأوروبيون فى «الناتو» إقامته لم يعجب هؤلاء!! فمصر تصر على أن القضية ليست «داعش»، بل كل المنظمات الإرهابية وتؤكد أن هذه المنظمات كلها قد خرجت من عباءة «الإخوان»، وهو أمر ما زال يوجع الحلفاء القدامى ويكشف خطيئتهم فى تبنى سياسة التحالف مع إرهاب يقولون إنه معتدل.. أما كيف يكون الإرهاب معتدلا، فعلم ذلك عند أجهزة المخابرات، وعند المتآمرين على العرب والإسلام، وعند مَن يتاجرون بقضايا حقوق الإنسان كما رأينا فى تقرير الاتحاد الأوروبى الأخير!! ومصر تعلن أنها لن تتورط فى صراع عسكرى خارج أراضيها، ولن تشارك فى أى جهود فى هذا التحالف إلا فى إطار شرعى من الأممالمتحدة، وتؤكد أن الحل للأوضاع فى سوريا أو فى ليبيا التى تمثل الخطر الأكبر على حدودنا لا يمكن أن يكون إلا حلا سياسيا. وهكذا تعود اللعبة القديمة، وتستمر الضغوط على مصر، صحيح أنهم اعترفوا الآن أن مصر كانت تواجه الإرهاب الذى كانوا يصفونه بأنه «أعمال عنف»!! وصحيح أنهم قد بدؤوا -أو بعضهم على الأقل- فى إدراك أن ما نبهت إليه مصر قد حدث، وأن الإرهاب الذى هادنوه أو تحالفوا معه أصبح الآن خطرًا عليهم!! لكنهم يخشون أن تنكشف الحقائق كاملة أمام شعوبهم، ويريدون أن يحاربوا الإرهاب الذى تمرد عليهم، وأن يحتفظوا -فى نفس الوقت- بالإرهاب الذى ما زال تحت الطلب أو فى بيت الطاعة!! تقرير الاتحاد الأوروبى أمام لجنة حقوق الإنسان ليس إلا ورقة ضغط تعتمد على الأكاذيب وتتجاهل الحقيقة الأساسية: أن مصر كانت تقاتل ضد الإرهاب، بينما كانت دول أوروبا وأمريكا تهادن أو تتحالف أو تدعم جماعات الإرهاب لتحقيق مصالحها. اللعبة أصبحت مكشوفة. وحقوق الإنسان تدفع الثمن من هؤلاء الذين يستخدمون المعايير المزدوجة لتبرير قتلهم لمئات الألوف وارتكابهم جرائم ضد الإنسانية، ودعمهم الإرهاب ليحقق مصالحهم، ثم يريدون محاسبة مصر لأنها وقفت ضد إرهاب دعموه، وأسقطت فاشية تحالفوا معها. والسؤال المركزى هنا: هل يمكن أن نتحالف مع هؤلاء فى حرب حقيقية يريدونها ضد «داعش» ونريدها ضد كل «الدواعش» بمن فيهم «الإخوان» الذين ما زالوا يمثلون لأمريكا وأوروبا الإرهاب فى الخدمة.. أو تحت الطلب؟!