كنت ممن يعتقدون أن انتقال محمود بكر إلى قناة «الأهلى» سيفقده جزءا كبيرا من شخصيته التعليقية والتحليلية، فالعمل فى القنوات الفئوية أو الموجهة أو قنوات الأندية يتطلب من العاملين الولاء الكامل وارتداء نظارة لا ترى سوى مصلحة صاحبها ولا تدافع إلا عن وجهة نظر الإدارة التى تنفق عليها، وعندما تكون القناة تنتمى إلى النادى الأهلى، فالأمر أكثر تعقيدا وتحجرا والتزاما وصرامة فى الالتزام بالدفاع عن المؤسسة ظالمة أو مظلومة، والمثال الواضح على ذلك الاستوديو التحليلى الذى يرتدى السواد عند الهزيمة أو التعادل، ويرفع السيوف والخناجر عند الأخطاء التحكيمية ويقيم الأفراح فى الفوز، وهى أمور تفقد الاستوديو موضوعيته ورزانته، والأهم أنها تفقد الأسماء الكبيرة التى تجلس على مقاعده احترام غالبية الجماهير، وهذا بالضبط ما حدث مع د.طه إسماعيل، الذى كان واحدا من أهم المحللين الكرويين القادرين على تبسيط الرؤية الخططية والتكتيكية للفرق والمدربين من دون فذلكة أو جعلصة أو لت وعجن ودش ورغى، كما هو متبع فى استوديوهات العجن التحليلى، إلا أنه فى قناة «الأهلى» فقد بريقه وموضوعيته، وانساق وراء روح القناة وانتمائها أكثر من تركيزه على احترافيته كمحلل، لا يفرق فى الرؤية بين الألوان. على عكس ما كنت أتوقع حافظ محمود بكر على شخصيته وأدائه وقفشاته اللاذعة وإفيهاته العفوية غير المصطنعة أو المحفوظة أو المكتوبة مسبقا، ليقحمها فى التعليق كما يفعل أغلب المعلقين الذين يرددون جملا سابقة التجهيز غالبا، لا تتسق وسياق أحداث المباريات، بل كان رغم كبر سنه محافظا على حيويته وشباب الذهن وحضور العقل والربط السريع والمجاملة اللطيفة لمن يحبهم والتلقيح الظريف لمن يبغضهم، وهو ما دفعنى وآخرين مثلى كثيرين على متابعته بقناة «الأهلى»، فأنت معه دائما تسمع ما لا تتوقعه حتى فى المباريات المملة تجد من يسليك ويضحكك بكلامه فى شؤون حياته ومشكلاته الخاصة مع السكة الحديد ومحطة مصر وسيدى جابر وزحمة المرور، إضافة إلى ذلك فإن محمود بكر هو أفضل معلق يستطيع قراءة المباراة بعد خمس دقائق من بدايتها، وهو حتى لحظته أفضل من عشرات المحللين الذين يجلسون فى الاستوديوهات يعتلون فى تفسير ما يحدث أمامهم، بينما لا تأخذ منه أكثر من طلعة نفس، فهو بالفعل يتنفس كرة قدم. المهم أن محمود بكر حافظ على نفسه وشخصيته فى قناة «الأهلى»، وأعطاها طابعا مميزا عن حلقات الذكر التى تقام فيها لفريق الكرة والمدربين واللاعبين والإدارة، فخسر الدراويش وبات قاب قوسين أو أدنى من أن يتركها، حفاظا على كرامته واحتراما لنفسه، بعد أن تم إذاعة حوار مع جدو أساء فيه بشكل غير لائق أو مهذب لشخص وقيمة وقامة بكر وتحدث بشكل مؤسف لا يليق بلاعب لم يعط للنادى شيئا، بينما أخذ كل شىء الفلوس والنجومية والشهرة، لمجرد أنه أجاد فى مباراة عابرة بعد عشرات المباريات من السوء، خرج يشخط وينتر ويسخر من رجل له تاريخ واسم محفور فى ذاكرة الرياضة والتعليق التليفزيونى، إلا أننى لا ألوم على اللاعب بقدر لومى على إدارة القناة وبالتبعية إدارة النادى الأهلى التى تريد أن تخلط أبو قرش على أبو قرشين، وتجاهلت الاعتذار الواجب للرجل، على أمل أن يرحل طواعية وتأخذ من الأمر مكسبا ترضى به قلة من الجماهير التى تعترض على وجود محمود بكر، لأنه يكشف العورات وينتقد الفريق عندما يسىء ويضغط على نقاط الضعف، وهى أمور مفيدة لو يعلم أولو الألباب، فعندما يأتى النقد من داخلك أو من أهلك وأسرتك، فهذا ييسر الإصلاح ويعجل به، فإذا كانت قناة «الأهلى» هى التى تنقد، فهذا يشعر اللاعب بالذنب ويدفعه إلى الإجادة، كما يعطى للقناة نفسها مصداقية.. بس تقول لمين؟!