يتدهور الموقف داخل ليبيا بوتيرة متسارعة، وأصبحت الدولة المتداعية أصلا منذ إسقاط نظام الرئيس الليبى السابق مدرجة فى قائمة الدول المنخرطة فى حروب أهلية، ويكشف هذا الوضع أن ليبيا مرشحة الآن لحالة فوضى عارمة وعدم استقرار لمدى زمنى طويل، وبمعنى أدقّ أصبح من المؤكد إذا لم تتم السيطرة على هذه الأوضاع أن تنضم ليبيا إلى قائمة الدول الفاشلة التى تتعدد فى الإقليم المثخن بالإرهاب والموبوء بالانقسام والتفتت الداخلى، ومن ثم تتحول إلى بؤرة خطر تهدد مصالح الدول المجاورة، ويتفاقم هذا الوضع فى الداخل الليببى مقارنةً بأى دولة أخرى تمر بكارثة الحرب الأهلية، لأن جماعات الإسلام السياسى التى تسعى لتعطيل دولاب عمل دولة مركزية وطنية ليست فى حاجة إلى الإمداد بالسلاح من أى جهة خارجية، بل إن السلاح الموجود مع هذه الميليشيات غير الشرعية تفوق كمياته السلاح الموجود مع أجهزة الدولة من جيش وشرطة، وتضاعفت مخاطر هذا السلاح الذى كان يكدسه القذافى بكميات خيالية للضرورة لها بعد أن تطور استخدامه إلى أبعاد مخيفة، حيث يتم تداوله إلى الخارج الليبى لتسليح التنظيمات الإرهابية العابرة للدولة القومية. لهذا بدأ يثار فى الفضاء السياسى خلال الفترة الأخيرة آراء تطرح أهمية القيام بعملية عسكرية ضد التنظيمات الإرهابية فى ليبيا حتى لا يتكرر نموذح «داعش» مرة أخرى، بما يعكسه من اضطراب فكرى وجنون عسكرى، تسهم فى تطويره وتقديم الدعم الاستخباراتى والمعلوماتى والخططى له مصادر خارجية، وفى الواقع فإن هذا التهديد يتجاوز نطاق الجوار والإقليم إلى دول الجنوب الأوروبى، أى أن حوض البحر الأبيض المتوسط أصبح مهددا بالاشتعال بل وأوروبا كلها التى صارت معرَّضة لهجرة غير شرعية كثيفة واعتداءات إرهابية، وهنا لا يجب إغفال أخطاء «الناتو» طوال فترة العمليات العسكرية للقضاء على القذافى أساسا باستخدام مظلة تحرير الشعب الليبى، ومن هنا يمكن القول بأن التدخل العسكرى سوف يكون هدفه الأساسى مساندة الليبيين من أجل بناء مؤسسات شرعية يتم تدعيمها ومساندتها، كى تقوى وتتماسك إلى أن تتمكَّن من بسط سلطتها على كامل الأرض، والواضح أن الاتحاد الأوروبى لا يعارض هذا الطرح، وبالمثل الاتحاد الروسى، بينما يبقى الموقف الأمريكى محيّرا غامضا وملتبسا، لكن فى كل الأحوال فإن الغرب سيعارض أى إطار لمساعدة ليبيا دون أن يكون طرفا فيه، فالبترول الليبى قريب، وفى حالة استقرار البلاد سوف يكون الإمداد به سهلا وآمنا ورخيصا، كما تقتضى مصلحة الغرب الانتهازية عدم إتاحة الفرصة لدول الجوار فى بناء آلية قادرة على ضبط الأمن وتحقيق توازنات إقليمية باعتماد ذاتى. ومع هذا فقد تفرض ضرورة حماية الأمن القومى المصرى على متخذ القرار القيام بعملية عسكرية فى مواجهة تهديدات خطيرة إذا تطور الانهيار إلى مستويات أسوأ من الموجودة حاليا، وهذا احتمال تدلّ الشواهد على أنه قابل بدرجة كبيرة للحدوث، لا سيما بعد تهديد ما يسمى ب«المجلس الأعلى لثوار ليبيا»، فى بيان صدر أخيرا يوضح فيه أنه لن يتوانى عن استخدام القوة ضد كل مَن شارك فى التخطيط للمؤامرة الانقلابية الفاشلة التى مرت بها ليبيا، منوها برفضه لتجاهل البرلمان الليبى التعديل الدستورى الذى اعتمد مدينة بنغازى مقرا للبرلمان بعد عقد جلساته فى طبرق، كما هدد بتحويل قرارات البرلمان إلى مجرد حبر على ورق، وعزله إذا استمر فى التعاون مع مَن وصفهم ب«الانقلابيين»، فى ما طالب المجلس مدينتى طبرق والبيضاء بتوضيح موقفهما الصريح مما وصفها ب«الثورة المضادة»، وهنا يجب التنويه بأن البرلمان الليبى منتخب بإرادة شعبية فى انتخابات شهد العالم بنزاهتها وحياديتها واضطر إلى الانعقاد فى طبرق، نظرا للتدهور الأمنى فى بنغازى، ويجب الإشارة إلى أن ما يسمّى ب«المجلس الأعلى لثوار ليبيا» مكون من ميليشيات الإسلام السياسى فقط، ولإظهار مدى العنف الحالى فى ليبيا خارج نطاق الاشتباكات المسلحة والتى تكشف الواقعة التى تعرضت لها نعيمة دلف، عضوة المؤتمر الوطنى الليبى العام التى تغلبت على الإخوان فى انتخابات دائرة زليتن، حيث فجّروا منزلها بعد أن تسللت بمساعدة عائلتها إلى تونس ومنها إلى الأردن ثم إلى مصر متحركة من الطريق البرى لتشارك فى جلسة افتتاح البرلمان فى طبرق، وقد نسف الإخوان المسلمين بيتها كعادتهم فى معاقبة المناوئين والانتقام منهم على غير عادة المجتمعات البدوية فى عدم إيذاء النساء. لقد أصبحت الحدود البرية بين مصر وليبيا مكمن خطر داهم قابل للانفجار الذى ستترك شظاياه وموجة الضغط الناتجة عنه آثارا لا يمكن تداركها فى المدى الزمنى القصير أو المتوسط، لذلك تحتّم الضرورة التدخل ضد عصابات الإسلام السياسى ذات الطابع الأممى التى تضع نصب أعينها هدف الانتقام من الشعب المصرى والنظام الوطنى الحالى، بعد إفشال مخطط الإخوان المسلمين فى تحويل مصر إلى إمارة إسلامية، ويساعد مصر على تنفيذ ضربة وقائية ناجحة.. إن العلاقة التاريخية بين الشعبين الليبى والمصرى قوية وأزلية ومتداخلة إلى درجة تشابك الروابط والأنساب، لذا فإن أى عملية عسكرية ستكون بلا أى أطماع، وربما تكون تلبية لرغبة شعبية ليبية.