يا خسارة.. لو كان الأمر بيدى لأحلت أعضاء اتحاد الإذاعة والتليفزيون إلى التحقيق والمحاكمة بتهمة التخريف والتهريج الإعلامى وتهمة التخلف والقصور الذهنى عما يدور ويجرى فى مصرنا الحبيبة هذه الأيام، فاتحاد الإذاعة والتليفزيون المشكل من قبل سعادة اللواء أحمد أنيس، وزير الإعلام -حتى كتابة هذه السطور- هذا المجلس الذى من المفترض أنه عقل الفكر الإعلامى فى الدولة، اجتمع لبحث مشكلات الإعلام فى مصر، وعلى رأسها مشكلة إيجاد مصادر مالية لتمويل إنتاج البرامج والمسلسلات التليفزيونية بعد أن نضبت مصادر التمويل تماما، وأصبحت خزينة الاتحاد على الحديدة ولا مؤاخذة. وبعد سلسلة من الاجتماعات المضنية والمناقشات الحامية خرج علينا جهابذة وعباقرة الاتحاد بدراسة حدَّدوا فيها وسائل وطرق تمويل خزانة التليفزيون الخاوية، لإعادة دوران عجلة إنتاج البرامج والمسلسلات، وسوف يتم رفع هذه الدراسة إلى مجلس الوزراء لصياغتها فى الشكل القانونى، ثم رفعها بعد ذلك إلى مجلس الشعب للموافقة عليها وإصدار القوانين المطلوبة لتنفيذها.. وتحتوى هذه الدراسة «الكوميدية» على ثلاثة اقتراحات هى: 1- تحصيل مبلغ يتراوح ما بين قرشين وجنيه واحد عن كل كيلوواط من استهلاك المواطن المصرى (الغلبان) للكهرباء، حسب شرائح الاستهلاك، وقد حددت الدراسة حجم المبالغ التى سيتم تحصيلها من هذا البند بمليار ونصف المليار جنيه سنويا. 2- إلزام وزارة الداخلية بتحصيل مبلغ بين ثلاثين وخمسين جنيها عن كل رخصة سيارة بداخلها راديو أو «c.d» أو تليفزيون، وقد حددت الدراسة حجم المبالغ التى سيتم تحصيلها من هذا البند بمليارين ونصف المليار إلى ثلاثة مليارات جنيه سنويا. 3- إلزام وزارة المالية، متمثلة فى مصلحة الجمارك، بتحصيل رسم جمركى على كل جهاز تليفزيون مستورد من الخارج، وكذلك أجهزة ال«d.v.d» وشاشات ال«l.c.d» بمقدار خمسين جنيها، ويحقق هذا البند مليارى جنيه سنويا. وبناء على ما سبق فسوف يتم -طبقا لهذه الدراسة- تحصيل ما بين ستة وستة مليارات ونصف المليار جنيه سنويا من جيوب المصريين المعدمين الكفرانين، وذلك لإعادة شحن خزانة اتحاد الإذاعة والتليفزيون التى تم سلبها ونهبها بالكامل، إما عن طريق السرقة والتربح فى عز الظهر، وإما عن طريق الفشل فى إدارة هذا المرفق الإعلامى والفنى الحيوى، والمهم جدا من الناحيتين المادية والأدبية، فاتحاد الإذاعة والتليفزيون كان فى بداية عهده من الأجهزة الرئيسية التى تدر على خزانة الدولة أرباحا بالملايين والمليارات، مثله فى ذلك مثل قناة السويس، وصناعة الغزل والنسيج، ثم أخذت هذه الإيرادات تتراجع تدريجيا، بعدما تولى إدارة الاتحاد مجموعة من غير ذوى الخبرة من لواءات الجيش والشرطة الذين أداروا هذا المرفق الإعلامى بأسلوب عسكرى فاشل واستبعدوا من إدارته ذوى الخبرة من الإعلاميين والفنانين المتخصصين.. وعلى يد هؤلاء العسكر ظلت إيرادات الاتحاد تتراجع وتتناقص حتى وصلت إلى الصفر تقريبا هذه الأيام، وقد كنا نتوقع مع تولى السيد اللواء أحمد أنيس مهمة وزارة الإعلام أن تظهر لنا دراسة منطقية واعية لإصلاح جهازى الإذاعة والتليفزيون، ومحاولة إعادة زمن الأرباح، لكن للأسف، خرجت إلينا وزارة اللواء أحمد أنيس بتلك الدراسة الهزلية المضحكة ونحن فى عز زمن الحزن والبكاء، فالدراسة تريد أن تلزم أبناء هذا الشعب بدفع فاتورة «غباء» من أفقروا هذا الجهاز وأفسدوه على مر العقود السابقة، فهل يعقل أن نفرض على المواطن أن يدفع قهرا مبلغ جنيه واحد عن كل كيلوواط كهرباء يستهلكه كى ننفق على تلك البرامج العبيطة والمسلسلات البلهاء التى ينتجها اتحاد الإذاعة والتليفزيون التى من فرط سذاجتها لا يشاهدها هذا المواطن أصلا؟!.. هل من المنطقى أن نفرض على أصحاب السيارات التى بها راديو -وكل السيارات بها راديو- أن يدفع الواحد منهم بالغصب مبلغ خمسين جنيها وهو يستخرج رخصة سيارته، كى تمتلئ خزانة الاتحاد بمليارات الجنيهات، ثم يبعثرها بعد ذلك كأجور على مذيعاته الهوانم والمذيعين البهوات الذين فشلوا فى برامجهم التافهة فى تحقيق أى ربح يذكر؟.. هل من الإنصاف أن نجبر ملايين المصريين على دفع خمسين جنيها كجمرك إضافى على كل جهاز تليفزيون يشترونه كى ينتج أو يشترى التليفزيون مجموعة من المسلسلات الفاشلة إياها، التى يتقاضى نجومها أجورا بالملايين، وهم فى الحقيقة لا يستحقون عنها مئة جنيه؟.. معقولة يا خلق هووه نلهف ستة مليارات ونصف المليار جنيه سنويا من جيوب الناس الغلابة فى الأيام السودة اللى احنا عايشينها دى، علشان ندفع لعادل إمام وتامر حسنى تلاتين مليون جنيه، أجرا عن المسلسل الواحد، وندفع لغادة عبد الرازق وسمية الخشاب اتناشر مليون جنيه لكل واحدة فيهم عن المسلسلات الفاشلة اللى قدموهالنا؟! لقد ذكرتنى هذه الدراسة الغريبة بالفرمانات الخديوية التى كانت تفرض فيها الجبايات والإتاوات على أبناء مصر المحروسة، لإنفاقها على ملذات الوالى والخديو وحاشية الحاكم.. من الجاريات والمطربين وتنابلة السلطان من المهرجين والمضحكاتية. لقد كان من الأجدر والأوفق والأليق أن يخرج علينا اللواء أحمد أنيس، وزير الإعلام، حتى كتابة هذه السطور- بدراسة عن طريق اتحاد الإذاعة والتليفزيون يطالب فيها مختلف أجهزة الدولة بجمع هذه المليارات لشراء أجهزة طبية حديثة لمستشفياتنا الحكومية «الخربانة»، وإنفاقها فى إصلاح حال التعليم «المنيل» أو فى تطوير العشوائيات «المهببة» أو فى إقامة مشروعات صناعية لتشغيل شبابنا العواطلية بدلا من إنفاق هذه المليارات على «عدولة» و«تمورة» وست سمية وطنط غادة وكل أمثالهم. والسؤال الآن لسيادة اللواء الوزير والسادة أعضاء اتحاد الإذاعة والتليفزيون: «إنتو بتعملوا فينا كده ليه؟! وعايزين تودونا على فين بالظبط؟!».