لا يصدق الإخوان ما هم عليه الآن.. فقد حصلوا على الأغلبية فى انتخابات مجلس الشعب، ويتحكمون فى المناصب السياسية ويوزعونها كما يريدون، ويدخلون فى تحالفات حتى ولو كانت مع كيانات ليس لها أى دور حقيقى، وإنما يسيرون على منهج السابقين بالتفاف الآخرين حولهم.. مش مهم مين دول! يذهبون إلى مقر مجلس الشعب قبل انعقاده وكأنهم فى جولة تفتيشية أو الاستعداد لتسلمه كما كان يفعل النظام السابق قبل أن يحضر إليه الرئيس المخلوع. ويذهبون إلى رئيس الوزراء فى مقره، وكأنهم يعطون تعليماتهم فى الفترة القادمة، خصوصا بعد أن رفضوا تولى الحكومة فى الفترة الحالية، ومن ثَم أبقوا على الدكتور الجنزورى، فكان عليهم توصيل رسالتهم أنهم أصحاب الفضل عليه فى إبقائه فى المنصب ومن ثَم يكون تابعا لهم خلال الفترة القادمة، ولا مانع من إطلاعه على تنسيقهم مع المجلس العسكرى -بلاش حكاية تحالفهم- وربما هو يعلم ذلك جيدا. إنهم يوزعون تورتة المكاسب الآن، وهم الذين لم يكن عندهم مانع من قبل أن يجلسوا مع أىٍّ من أركان النظام السابق للحصول على بضعة مقاعد فى مجلس الشعب. وقدموا السبت والأحد للنظام السابق فى انتخابات مجلس الشعب 2010، وخرجوا عن صيغة الإجماع والتوافق الوطنى -وهم الذين يدّعون الآن التوافق الوطنى- على مقاطعة تلك الانتخابات لفضح النظام وتعريته. وكان معهم حزب وفد السيد البدوى الذى كان يعمل لصالح النظام وأجهزته الأمنية وعلى رأسها جهاز أمن الدولة ورئيسه حسن عبد الرحمن المتهم الآن بقتل المتظاهرين.. ويا للغرابة، فإن التحالف الأقوى المرشح الآن للسيطرة على مجلس الشعب وتبادل المناصب القيادية فيه هو تحالف بين الإخوان ووفد السيد البدوى، وكله بالتنسيق أو بالتفاهم مع المجلس العسكرى، فالسيد البدوى نصّب نفسه أخيرا متحدثا باسم المجلس العسكرى، والدليل على ذلك تصريحه فى مشيخة الأزهر بأن المجلس العسكرى سيسلّم السلطة ملتزما بخارطة الطريق التى أعلن عنها.. وكأنه سيسلم السلطة إلى السيد البدوى! لم يكن يحدث ذلك للإخوان والسيد البدوى الذى فشل فى أن يجعل «الوفد» الحزب القائد، وكانت لديه فرصة تاريخية فى تلك الانتخابات لكن تصريحاته «الخايبة» حول العلمانية والليبرالية.. والإسلامية.. جعلته فى الذيل دائما.. ناهيك بتاريخه فى مساعدة النظام السابق فى مصادرة الحريات وإهدائه جريدة «الدستور» إلى النظام السابق من أجل مصالحه الشخصية. فتخيلوا، السيد البدوى يتحالف الآن مع الإخوان وهو الذى كان يخشى الذهاب إليهم أيام الرئيس المخلوع رغم أنهم كانوا يمدون أيديهم إليه وذهبوا لتهنئته برئاسة «الوفد» فذهب هو إلى صفوت الشريف أمين الحزب الوطنى «المنحل والساقط» لتقديم فروض الولاء والطاعة، كما يبذل مجهودا كبيرا الآن لتقديم فروض الولاء والطاعة للمجلس العسكرى حتى إنه ليس لديه مانع فى أن يكون متحدثا باسمه! كل هذا لم يكن ليحدث للإخوان أو السيد البدوى إلا بثورة 25 يناير التى يقتسمون تورتتها الآن برعاية المجلس العسكرى وبدم الشهداء الذين سقطوا برصاص القتلة من النظام المخلوع الذى كانوا على استعداد للتحالف معه فى ميدان التحرير وميادين مصر.. ولم يكن هذا ليحدث إلا بعد ظهور الدكتور البرادعى فى فبراير 2010 متحديا النظام السابق وأدواته القمعية وأجهزته الإعلامية ومنافقى ووعاظ سلطان النظام المخلوع الذين ما زالوا حتى الآن فى المشهد الإعلامى وتحولوا إلى نفاق مَن هو فى السلطة.. هو الدكتور البرادعى الذى دعا إلى مقاطعة انتخابات 2010 لكشف وتعرية نظام مبارك ولم يكن يتخيل ساعاتها أحد رؤية البرادعى الصائبة، وهو الذى رفع شعار التغيير فى الوقت الذى كانت فيه القوى التى تقتسم «تورتة» مكاسب الثورة الآن تسعى للتقرب من النظام والحفاظ على وجودها بأى شكل.. وهو الذى اعتمد على الشباب بشكل أساسى فى حملته ونضاله من أجل التغيير وكانت وقتها القوى الأخرى تستهزئ بما يفعله البرادعى وتطلق عليه «التغيير عبر النت» وأشياء أخرى شاركت فيها الحزب الوطنى الساقط والمنحل، ليصبح الشباب فى النهاية هم الذين قادوا الشعب إلى الثورة ضد النظام السابق. ويسقط حسنى مبارك.. ويخلعه الشعب فى ثورة عظيمة ملهمة ومبهرة لشعوب العالم.. لكن من أتوا بعده أداروا شؤون البلاد بفشل ذريع ليستعيدوا مؤسسات النظام السابق وبتغيير حزب بحزب آخر.. وليظل الوضع على ما هو عليه.. كأنها لم تكن ثورة.. من أجل التغيير الشامل فأرادوها انقلابا.. وأرادوها تحريضا على الثوار وتشويههم.. واتهامهم أخيرا بأنهم يدمرون ويحرقون البلد ليستمتع المتحالفون الجدد بالسلطة وكفى الشعب شر التغيير «!!» من أجل هذا وغيره وجد الدكتور محمد البرادعى أن الواقع القائم حاليا لا يتناسب أبدا مع تلك الثورة العظيمة.. فآثر الابتعاد وعدم الترشح للرئاسة وفقا لقواعدهم وما يريدونه بعيدا كل البعد عن قواعد الديمقراطية والدولة الحديثة والعدالة والحرية والكرامة الإنسانية.