2014- الموصل تنقل مكبرات الصوت فى مساجد المدينة فرمان الخليفة البغدادى الذى لا تراجع عنه. أن يغادر المسيحيون أو يُشهروا إسلامهم، أو يدفعوا الجزية صاغرين، وإلا فمصيرهم الموت. طوابير من الأسر المكلومة تخرج مفزوعة تاركة ديارها ومتاعها وممتلكاتها، بحثًا عن ملجأ، وسط هذه الطوابير تلتفت عجوز تقبض بمفتاح منزلها، وكأنها تودع قرونا من التاريخ عاشها أجدادها فى هذه البقعة، تتذكر، كيف وعت على هذه الكنائس العتيقة، وكيف استقرت عائلتها لمئات السنين، لا تعرف إن كانت ستعود، أم ستقضى ما بقى من العمر وسيعيش أحفادها فى مخيم لاجئين، وهل سينفعها مفتاح المنزل الذى تحمله معها، بينما صار المنزل والأرض والمال مُصادرين من كتائب الدولة الإسلامية، وغدًا ربما يسكن فى ذات المنزل رجل ليس من أهل العراق، ولا أبناء الموصل، ربما جاء من مصر أو مالى أو الشيشان أو من أوروبا، لا تهم جنسيته، المهم أنه من أبناء العقيدة الداعشية، والأرجح أن الشارع العتيق الذى يحمل اسم «إسحاق الموصلى» سيتغير اسمه إلى «المنذر بن المنفر» مثلا. 1948 - الجليل هناك فى صفورية شمال أرض فلسطين، دوت مكبرات أخرى فوق سيارات عسكرية، تنذر سكان البلدة بالمغادرة وفورا أو القتل. عصابات الهاجاناة الصهيونية لم تترك للمهددين الفلسطينيين فرصة كافية على الأقل لجمع متاعهم، أعملت فيهم القتل والترويع، حتى خرجوا تاركين مزارعهم وزيتونهم ومساكنهم، إلى حيث مخيمات اللاجئين. طوابير العابرين بحثًا عن مأمن خارج البلدة، كل منهم يحمل فى يده مفتاح منزله، يغادر مودعًا زيتونة على أمل لقاء قريب، لكن اللقاء غاب، منازلهم سكنها اليهود القادمون من أرصفة أوروبا لإقامة وطن الرب. الروس والمجريون والمغاربة والتشيك والطاجيك، وأناس كثيرون لا يربط بينهم سوى كونهم يهودا. وبلدتهم الجميلة صار اسمها «تسيبورى»، وشوارعها حملت أسماء تجار الدم من قادة العصابات الصهيونية، حتى الزيتونة التى زرعها «أبو السعيد الصفورى»، قالوا إن من زرعها «يهودا هَنَسى». ▪ ▪ ▪ الدولة الإسلامية فى أرض العراق، هى بنت الدولة اليهودية فى أرض فلسطين، الصور التى تراها فى صحف اليوم للمسيحيين النازحين من الموصل مغادرين ديارهم بعد تهجيرهم قسريا، هى ذاتها الصور التى وصلتنا للنازحين الفلسطينيين الذين تركوا قراهم بعد ترويع وقتل واستباحة. دولة داعش ودولة إسرائيل كلاهما ينتمى إلى ذات الأيديولوجية العنصرية، التى لا تعترف بالآخر، تحتقره، وتستبيحه، وإذا ما اضطرتها أى ظروف للإبقاء عليه تبقيه فى درجة أدنى، يدفع الجزية صاغرًا، أو يقبل بالتهميش والاحتلال وطمس الهوية وتزوير التاريخ وتلفيق الأسماء لطمس الحقيقة. طاردت عصابات الحركة الصهيونية وطن الرب حتى انتزعته فوق دماء وأرواح وتاريخ الآخرين، وتطارد كتائب داعش خلافة الله، حتى تنجح، تقيم الخلافة وتفرض الجزية وتذبح المختلفين، لا تفعل داعش شيئًا لم تفعله إسرائيل، ذات الهوس الدينى وتطويع النصوص من أجل قتل حلال لا يزعج ضمائر القتلة، وذات العنصرية والتهجير القسرى، وذات الزرعة فى خاصرة المحيط العربى لتضيف إلى شتاته وانقسامه جراحًا جديدة. إسرائيل دولة دينية لا تنسى ذلك وهى الدولة النموذج على الأرجح لكل المهوسين دينيا الراغبين فى إقامة دول دينية، تتنازع صفة شعب الله المختار، أو خلفاء الله ووكلائه، وتضع القتل باسم الرب هدفًا وأسلوب حياة. لكل من فاته بحكم العمر أن يشاهد تأسيس إسرائيل، «داعش» تقدم لك خدمة تكرار التاريخ حصريا، محاكاة عملية لجرائم القتل والتمييز والتهجير القسرى. ضع ما يجرى فى الموصل على ما يجرى فى غزة، وأنت تعرف من أين جاءت كل هذه الكراهية إلى تلك المنطقة من العالم.