أتصور أننا فى حاجة إلى وقت لنتعرف على الخط السياسى للإخوان المسلمين، مع أنهم أهل سياسة منذ فترة طويلة قبل الثورة وبعد الثورة، وما يخرج عن قيادات الإخوان المسلمين هذه الأيام من تصريحات تجعلنا نشعر أن المبادئ التى أقيمت عليها جماعة الإخوان المسلمين وأيضا حزب الحرية والعدالة تحتاج إلى نظرة وفحص، فلا يمكن أن ننكر أن الإخوان المسلمين فصيل وطنى قدم الكثير من التضحيات على مدار تاريخه، ومع أننى لست من أنصار دمج الدين بالسياسة، ولكن فى النهاية لا بد أن نحترم إرادة الجماهير فى اختيارهم للإخوان المسلمين كأغلبية ساحقة فى البرلمان القادم، ولكن السؤال المهم: هل إخوان 2012 سيكونون مثل ما قبل 2012؟ هذا هو السؤال!! الإخوان أمطرونا طوال تاريخهم بالحديث عن الحرية والعدالة، واختاروا أن يكون ذلك هو اسم حزبهم، ولكن أين الحرية والعدالة فى ما صرح به السيد محمود غزلان المتحدث الرسمى باسم جماعة الإخوان وهو يتحدث بكل غلظة وصوت عالٍ موجها حديثه إلى أهالى الشهداء والمصابين مؤكدا أنه ليس أمامهم إلا خياران إما أن يختاروا الدية وإما الخوض فى معارك قضائية لا طائل منها أو معارك فى الشوارع قد تؤدى إلى كوارث؟ هكذا يحدثنا المتحدث الرسمى للإخوان ونحن هنا نسأله: هل من العدل والدين أن نتعامل مع الشهداء والمصابين بمثل ما تقول؟ ولماذا هذان الخياران فقط؟ وأين خيار العدل فى محاسبة القتلة والسفاحين على الدماء التى أسيلت على أرض ميادين الحرية فى مصر؟ هل يعقل هذا الكلام الصادر من المتحدث الرسمى للإخوان فى الوقت الذى يقدم الإخوان أنفسهم على أنهم مناضلون سياسيون يعرفون العدل ويرفعون راياته، متخذين من الدين سلاحا لهم؟ ثم يستطرد السيد محمود غزلان ليقرر، وهو يضع ساقا على ساق، أن قتلة الشهداء فى أحداث التحرير أو محمد محمود وحتى مجلس الوزراء غير معروفين حتى الآن، ونحن هنا نسأله: من أين جاء بتلك الحقائق التى تؤكد أن القتلة غير معروفين؟ القتلة يا سيدى كانوا أمام أعيننا جميعا وعلى شاشات التليفزيون، كانوا يرفعون أسلحتهم ويطلقون قنابلهم بزيهم المعروف فى الشرطة والجيش على المتظاهرين، لسنا فى حاجة إلى معرفة من القاتل؟ القاتل معروف، ولكن أمثال الدكتور محمود غزلان لا يريدون القصاص، لماذا؟ لأنهم يبحثون عن كراسيهم فى مجلسى الشعب والشورى وحكومتهم المزعومة التى لن يروها وهى تحكم مصر، ويفاجئنا السيد غزلان بأن جماعة الإخوان المسلمين فقدت 24 شهيدا خلال العام الماضى. ويؤكد أنه فى حالة ثبوت تورط المجلس العسكرى فى أى قضايا أو تجاوزات، فلا يوجد مانع من التجاوز عن ذلك بدلا من دفعه إلى التشبث بالسلطة، ومن ثم الدخول إلى معارك كما يحدث فى سوريا وليبيا، من الأفضل أن نقول ل«العسكرى» الله يسهله.. بتلك الكلمات تنازل الغزلان مع جماعته، عن دم الشهداء، ويمكننا أن نتفهم أن يتنازل الرجل وجماعته وحزبه عن دم 24 شهيدا من الجماعة، ولكن من أعطاه الحق أن يتنازل عن دماء أكثر من ألف شهيد آخر؟ الأستاذ غزلان يتحدث عن الخروج الآمن ل«العسكرى» دون مساءلة قانونية لأعضائه، ويقول فى بساطة شديدة تدعو إلى الاستغراب، فلنعطه وإلا فسيكون الخيار الآخر هو التشبث بالسلطة، مؤكدا أن الثوار سيضطرون وقتها إلى انتزاع السلطة منه، وهو ما قد يؤدى بدوره إلى صراع، الله أعلم بعاقبته، ولا أعلم كيف يتحدث المتحدث الرسمى للإخوان بهذا المنطق الغريب فى أن يجعل الخيار الوحيد للمطالبة القانونية بدماء الشهداء، هو أن «العسكرى» سيتشبث بالسلطة، وكأن الثورة لم تقم، وكأن الملايين التى خرجت فى الشوارع فى جميع ميادين مصر ليس لها قيمة ولا دور ولا أهمية أمام «العسكرى» هذا هو رأى الإخوة فى جماعة الإخوان وحزبهم. ويرى الأخ غزلان أن صفح أولياء الدم وتنازلهم عن حقوقهم قد يكون ضررا ولكنه أخف، بدلا من الدخول فى صدام قد يكون مكلفا على الجميع، وبعد كل ذلك يختتم تصريحاته، نافيا أن يكون قد حدث اتفاق من أى نوع مع المجلس العسكرى، متخيلا أن أى طفل فى مصر سيقتنع بكلامه، كيف يقتنع رجل قدم لنا كل ما يمكن أن يغسل أيدى القتلة من دماء الشهداء؟ لا أعرف بالضبط كيف سيقابل الأخ غزلان وزملاؤه وقياداته فى الجماعة والحزب ربهم يوم القيامة؟ سيقولون له إننا فرطنا فى دماء الشهداء من أجل الكراسى فى مجلس الشعب والحكومة واجتماعات أمريكا معهم!! أما الأخ محمد حسان فكلامه يثير كثيرا من الاستغراب أكثر من غزلان، فيقول مستخفا بدماء الشهداء: ليس من أجل أخذ حق ألف شهيد يذهب 10 آلاف آخرين، مطالبا بالخروج الآمن للمجلس العسكرى.. هكذا يفكر التيار الإسلامى بمصر فى قضية من أكثر القضايا قلقا على الساحة المصرية منذ فترة طويلة وهى قضية دماء الشهداء. هؤلاء هم الإسلاميون الذين سيجلسون على كراسيهم الفخمة فى مجلس الشعب ومجلس الوزراء، وربما فوق مقعد رئاسة الجمهورية سيجلسون قريبا ليتحكموا فى 80 مليون مصرى. الغريبة أنهم باعوا قبل حتى أن يجلسوا على المقاعد، والسؤال المهم: هل نحن فى مصر سنجلس نشاهد هذا البيع منهم ونصفق لهم؟ أظن أنه صعب. هذا الشعب خرج فى ثورته وقادر على حمايته، ولن يستطيع أحد أن يقترب من مكاسب ثورته، وإذا نجح البعض من أهل السياسة المختلطة بالدين فى أن يلعب بتلك المكتسبات، فأظن حسابه سيكون عسيرا.. حسابه من شعب مصر وحسابه أمام الله الذى نسياه الإخوان والسلفيون حبا فى السياسة وطمعا فى الكراسى.