دائما ما أجد فى طريقى هذا السؤال الذى تكرر أكثر من ثلاثين عاما، هى عمرى بالمهنة. الكل يعتقد أننى فى ليلة رأس السنة أسهر خارج المنزل فى ليلة ينبغى أن تكون استثنائية تختلف كثيرا عن السهرات الأخرى التى من المفروض أننى أعيشها فى الحياة.. كل يوم سهرة صاخبة تمتد حتى بزوغ الفجر.. لا تنسى الصورة الذهنية للصحفى الفنى التى رسخت لها العديد من الأفلام والمسلسلات وما تؤكده بأن صاحبها لا بد أن يكون لديه سهرة ما مع فنانة ما يحتسيان أشياء ما ويدخنان أشياء ما، وضع أنت بنفسك بعد ذلك كل ما يحلو لك من تداعيات أقصد «مامات»!! فى الماضى ولا يزال يحدث ذلك كثيرا أقرأ فى ملامح من يستمع إلى إجابتى دهشة تصل إلى درجة عدم التصديق.. الحقيقة تصدمه وهى أننى مثل ملايين المصريين أسهر فى البيت، ربما أتابع بعض البرامج أو أقرأ كتابا وأبحث عن فيلم «ابن حميدو» وبرغم أنوثة هند رستم التى لا تقاوم وخفة ظل إسماعيل يس وزينات صدقى ومشاغبات أحمد رمزى، فأنا أنتظر عبد الفتاح القصرى وهو يستعد لإطلاق «نورماندى تو».. أنا لا أطيق السهر خارج البيت، الليل هو الذى يشغل المساحة الأكبر من حياتى، ولكن حياتى ليست فى الليل، أنا أُحضر الليل إلى منزلى. هيأت نفسى فى ليلة رأس السنة أن أحسب ما أنجزت وما الذى عجزت عن استكماله ودائما يتبقى علىّ ديون متراكمة من عام إلى آخر، أقول سوف أنجزها العام التالى ويأتى التالى وتتفاقم الديون.. لدى مشروع لثلاثة كتب تحتاج منى فقط إلى بعض رتوش ثلاث سنوات، وأنا لم أنه هذه الرتوش.. إلا أننى هذا العام لم أكن أنا البطل.. الوطن هو البطل. ولكن لماذا ليلة رأس السنة هى النقطة الفاصلة؟ كل يوم يمر يخصم من أعمارنا، والسنة الجديدة هى إعلان برحيل 365 يوما بحلوها ومرها، فلماذا يحتفل بها العالم؟ ولو عدت إلى ما يقوله الناس عن كل عام مضى ستجد نفس التعبير، كانت سنة كبيسة ربنا لا يعيدها.. لا أوافق على هذا الرأى، خصوصا بالنسبة لسنة 2011، فهى السنة التى شهدت مولد مصر من جديد. سالت دماء، وأزهقت أرواح، وعيون شباب فقئت، وحاكم يرتدى الكاكى يريد أن يبطش بالجميع ليظل على الكرسى وشاهدنا قبل نهاية العام «بلوفر» كحلى اللون يرتديه رجل كان أحد أعمدة النظام يرشح نفسه رئيسا لمصر، وهو لم يعترف أبدا بالثورة.. كان رئيسا للوزراء وكان هو طوق النجاة الوحيد لمبارك.. الرجل صاحب البلوفر يشيد بكل من عبد الناصر والسادات، وعندما سألوه عن رأيه فى مبارك قال لا أستطيع أن أحكم عليه وهو على قيد الحياة، علينا أن ننتظر رحيله.. هل يصلح للرئاسة حتى لو غير لون البلوفر؟ بينما يقترب من كرسى الرئاسة أحد أعمدة النظام السابق الذى لا يكف عن جولات مكوكية فى المحافظات والقرى والنجوع يريد أن يستحوذ على المشاعر، مستغلا المبدأ المصرى الشهير «اللى تعرفه أحسن من اللى ماتعرفوش».. كان يقول دائما أيام مبارك عندما يتردد اسمه رئيسا محتملا «العين ماتعلاش عن الحاجب» ولم يكتف فقط بمبارك ليصبح حاجبا كان جمال أيضا حاجبا وتسجيلاته التى يشيد فيها بمبارك وابنه تشغل الفضاء.. شاهدنا تيارا سلفيا يرفع أعلام السعودية فى المظاهرات لأول مرة فى دولة لها سيادة ترفع علم دولة أخرى، وبدأ يتردد فى الأجواء بزوغ هيئة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر.. دولة تتحرك بقوة حاكم عسكرى يؤيده تنظيم دينى يبحث كعادته عن أى مكسب أو تحالف الكل يفكر فى التعاون مع القادم الكاكى مع أبو لحية، بينما الفنانون يريدون زيارة تطمينية حتى يطلقون تحفتهم القادمة «نورماندى تو». الإخوان كانوا فى زمن مبارك -طبقا للقانون- محظورين. كان ممنوعا على التليفزيون الرسمى أن يقدمهم على شاشته، بل القطاع الخاص الفضائى كان يتحسس الطريق قبل أن يفعل ذلك.. المحظورة صارت الآن هى الموضة!! أين كنت ذاك المساء؟ كنت مع نفسى أفكر فى «نورماندى تو»!!