يشعر البعض بالغرابة لتفوق من يتحدثون باسم الإسلام فى الانتخابات التشريعية، وحصدهم جانبا كبيرا من المقاعد، مع أن الأمر طبيعى تماما ولا غرابة فيه. على زمن الرئيس المفضوح كان التيار الإسلامى بأنواعه كافة.. الثورى الحالم بالتغيير والمستكين الخاضع لأمن الدولة والسياسى المناور.. كان يتعرض للعسف والهوان والمعاملة اللا إنسانية.. وكانت قياداته وأعضاؤه الثابتون على المبدأ يزج بهم فى السجون وتصادر أموالهم وتتعرض سمعتهم للتشهير.. حتى من كانوا يتقون شر الحاكم، فيداهنونه بالكلام الخائب، مثل تكفير من يخرج عليه.. إلخ هذه الترهات، كان لا يحظى باحترام أو ثقة السلطة، فكانت تحصل منه على الفتوى المسمومة، ثم تضرب أعضاءه بالجزمة! ومن الطبيعى لهذا السبب أن يلقى التيار الإسلامى بفصائله كافة التعاطف من الناس، خصوصا أن فصيلا هاما مثل «الإخوان المسلمون» كان يقدم إلى الناس الخدمات التى تخلت عنها الدولة، وبذلك أقنعهم بأنه يصلح بديلا عن السادة اللصوص الذين يحكمونهم. وفى الانتخابات الحالية سادت معادلة مؤداها أنه لو واجه الناخبون مرشحَيْن عاديين ليس بهما ما يلفت الانتباه وليس لأحدهما ميزة على الآخر، فإن خيار الناس كان يتجه تلقائيا إلى صاحب اللحية المرتبط فى خيالهم بالدعوة إلى الله، التى كلفت صاحبها عنتا فى المرحلة السابقة. أما عندما كان الناخبون يجدون أنفسهم بإزاء مرشحين، أحدهما شخص عادى تماما ليس لديه بخلاف اللحية ما يميزه.. إلى جانب شخص آخر لديه السمعة الطيبة والمواقف المحترمة والرصيد الكافى من الثقة، فإن الناس كانت تنحاز إلى المثقف الوطنى، وتعرض عن صاحب اللحية دون تردد. ورغم وضوح الصورة السابقة التى تقدم لمن يريد أن يفهم الروشتة السحرية للفوز فى الانتخابات فإن جانبا من التيار الليبرالى ما زال يصرخ ويولول ويشق الجيوب من التجاوزات التى قام بها الإسلاميون ووعودهم للناس بالجنة من أجل الفوز بأصواتهم. وعلى الرغم من أننى لا أنفى أن هناك من النصابين من فعلوا ذلك فإن ما حَكم اختيارات الناس هو المعادلة التى أوضحتها.. المرشح الإسلامى الذى لا يملك سوى اللحية لا أمل له فى الفوز على مرشح يعرفه الناس ويثقون به من غير الإسلاميين. وفى الحالات التى فاز فيها مرشح الإسلاميين على أحد الرموز الوطنية مثلما كانت الحال فى بورسعيد، عندما فاز الدكتور أكرم الشاعر على الرمز الوطنى الكبير جورج إسحاق، فإن هذا حدث لأسباب موضوعية واضحة، وهى أن أكرم الشاعر لم ينجح بسبب اللحية والجلباب، وإنما نجح لأنه يحمل رصيدا وطنيا من الصدق والتعفف والنضال الشريف، وقدم إلى مصر عن طيب خاطر ابنا هو أحد أبطال ثورة 25 يناير الذى أصيب إصابة جسيمة على يد شرطة مبارك ما زال يعالج منها حتى الآن. وبما أن التجربة الديمقراطية تصحح نفسها بالممارسة، فإن الانتخابات القادمة سوف تكون أفضل من كل النواحى، بعد أن يحدث الفرز الطبيعى بعيدا عن التعاطف مع المضطهدين، وبعيدا عن تأثير باعة صكوك الغفران وكوبونات الجنة، ووقتها لن يكون للحية أى تأثير، وسوف يتعين على صاحبها أن يضيف إليها رصيدا من العمل لخدمة الناس إذا أراد أصواتهم، وكذلك سيتعين على الليبراليين أن يعملوا بجد فى الشارع، وأن يخففوا من الغلواء التى تنفر الناس منهم، وأن يدركوا أن الدفع بمرشحين محترمين هو السبيل الوحيد للفوز بثقة الناس، أما الأموال الطائلة للسادة المليارديرات التى ينفقونها على الإعلانات فلا تنفع بشىء. وفى هذا الصدد يمكن لمن يتأمل الصورة أن يبتسم مما يراه.. فالناس تشاهد قنوات «الحياة» بنسبة مشاهدة كثيفة للغاية قد توحى للمراقب الساذج أن يتصور أن حزب الوفد سيكتسح الانتخابات، فإذا بنتائجه تأتى متواضعة، والناس كذلك تشاهد «دريم» و«أون تى فى» وتتابعهما بشغف قد يوحى لنفس المراقب الساذج بأن الكتلة المصرية ستلتهم الصناديق، فإذا بالنتائج تثبت أن الناس تستمتع بالبرامج بالليل، ثم تذهب بالنهار لتصوت لصالح الإخوان المسلمين!