أحمد حسن عفيفى، أحد أربعة شباب فقط، أخلت نيابة السيدة زينب سبيلهم، من أصل 102 أشخاص تم عرضهم عليها باتهامات بالشغب وإتلاف المصالح الحكومية، ومهاجمة القوات المسلحة فى أحداث مذبحة مجلس الوزراء. الشاب حضر إلى «التحرير» بعد أيام ثلاثة من الإفراج عنه، لكن آثار حمام الموت كانت واضحة فى جسده، «كسر بالذراعين، العين اليسرى مغمضة، كدمات هنا وهناك»، مما يشير إلى وجود حاجة إلى تقرير محايد من الطب الشرعى. أحمد قال: «أنا تعبان جدا، لكن مش قادر أقعد فى البيت ساكت، أسمع بيانات المجلس العسكرى اللى بيتأسف ويقول إنه مش ضد الثوار، لكن فقط كانوا يهاجمون البلطجية، اللى بدورهم هيتم التعامل معهم بشكل قانونى»، وأضاف «اللى شفته جوه أنا وكل اللى معايا صعب أوى، وكل الناس لازم تعرفه». حكاية أحمد ومن معه طويلة، لكن فضلنا أن نبدأها بتنويه، هو أن هذا الجمع كان يضم 23 قاصرا و4 فتيات وسيدة عجوزا، تم الإفراج عنهم جميعا مع الشباب الأربعة، وتم التحفظ على نحو 102 شاب، يلى هذا التنويه شهادته حول ما تعرضت له الفتيات، كلمات نقتطفها من وسط شهادته ونعطيها بروازا خاصا، لأنها الإثبات الدامغ للرأى العام والتاريخ، أن ما تعرضت له المرأة المصرية على يد العسكر بالشارع، هو النذر القليل مقارنة بما حدث بالغرف المغلقة، قال «البنات كانت بتمشى فى نفس الممر وسط الضرب، ولما بيوصلوا عند الغرفة اللى احنا فيها كانوا بيعروهم قدامنا، وبيتحرشوا بيهم، ضباط وعساكر كانوا بيتحرشوا بالبنات لدرجة التفتيش بأيديهم داخل ملابسهن الداخلية أمام جميع المحتجزين، كل ده وسط الضرب بالشوم والعصى المكهربة، ثم يأخذوهنلغرفة مجاورة». ونعود مع أحمد إلى بداية القصة، منذ كان أمام مبنى مجمع التحرير، صباح يوم السبت، ثائرا يساند زملاءه، وهم يتعرضون للموت، وبصفته مراسلا صحفيا لجريدة بالإسكندرية. يقول أحمد «كنت واقفا أمام المجمع، وفجأة هجمت قوات الجيش من ناحية قصر العينى، وعندما أظهرت كارنيه الصحافة ضربونى، وسحبونى من ياقة البالطو من المجمع إلى مجلس الشورى، واستعملوا معى الصواعق الكهربية، التى يحملونها جميعا». «وصلت إلى مدخل مبنى، ووسط الضرب لم أميز ما هو، ولكن عدت بعد أن أفرج عنى، وتأكدت أنه مدخل مجلس الشورى، أخذونا إلى الداخل، كان ممرا طويلا مليئا بالعساكر والضباط أغلبهم من الجيش، وعدد قليل من الشرطة، تشريفة ضرب مستمرة على طول الممر.. شوم وحديد وركلات، وشتائم مستمرة، إلى أن وصلنا إلى حجرة فى آخر الممر، كان هناك عشرة فاضلين من يوم الجمعة وبدأت الحسابة تعد». أحمد وصف مكان الاحتجاز فى المجلس بأنه حجرة لا تزيد على 20 مترا مربعا، والعدد داخلها يزيد على 100 شخص، «كانت حوالى الساعة 11 صباحا، ومن ساعتها لغاية ما تم ترحيلنا حوالى الساعة 10 مساء وحفلة الضرب المميت مستمرة، كان كل شوية يدخل مجموعة كبيرة من العساكر، واحنا فوق بعضنا ويضربوا بالشوم والحديد، دخل علينا ضابط ملثم شكله صاعقة قالنا وشكم للحيط، وضربنا فى موضع الكلى، وكلنا نقع منه على الأرض، وصلة ضرب جديدة من العساكر عبارة عن إن الضابط يشخط كلكم وشكم للحيط، والعساكر تخبط راسنا فيها لغاية ما تبقى كل الحيطة دم». لم يعد أحمد يعرف عدد الساعات التى تمر، شعر هو ومن حوله أن النهاية تقترب، لكن ما بين هذه الفواصل التعذيبية التقط نفسه، وصرخ «حرام عليكم أنا صحفى مش بلطجى»، فجاء الرد سريعا، بوضعه فى غرفة منفصلة، وبدأ حمام تعذيب منفرد، إلى أن دخل أحد الضباط، وقال «كفاية كده»، ما يذكره أحمد أكثر من غيره فى هذه اللحظة، إنه كانت هناك بنت واحدة جلست منكمشة فى أحد الأركان، وقال «قعدوا يضربونى فى كل حتة وهى منكمشة فى جنب، وبتحاول تلزق فى الحيطة عشان تبعد عن الضرب». وحسبما قال أحمد، فإن أحد الشباب مات فى أثناء وصلات الضرب، قال «حطيت إيدى عليه لقيته متلج، صرخنا، العساكر جم سحبوه برة زى الدبيحة»، وتلى ذلك المشهد المقبض، آخر مقزز، حين جاءت كاميرات التليفزيون المصرى، وزجرهم الضابط للاصطفاف أمامها، والمذيع يسألهم «انت حاولت تحرق المجلس؟» يرد «لا»، يقوله وهو يستهزئ «يا راجل أومال كنت قاعد بتعمل إيه؟»، أحدهم اعترف على نفسه. قال أحمد «تابعته مذهولا، فقد كنت أراه دائما فى الميدان، وأعرفه جيدا»، وقفت عاجزا عن النطق مش قادر أقول ليه بتعمل كده يا سمير، وأوضح لنا أن سمير هو من ظهر بفيديو اللواء عادل عمارة، وكان الضابط يقف ويقولنا «شايفين يا زبالة يا لمامة البلد». قبل ترحيلهم بساعة، حكى أحمد كيف تم ربط أيديهم بقيد بلاستيكى، مثل الذى يستخدم فى جوانتانامو، ويسبب ورما شديدا باليد، بعدها وصلت عربة ترحيلات «س 28»، وتم نقلهم بمعرفة ضابط شرطة عسكرية إلى «س 18»، وهناك سمعنا همسا من شاب قريب منه، عندما دخل أحد الضباط وبصحبته بعض العساكر، «هتعملوا فينا إيه تانى هتسخطونا قرود»، من الواضح أن نفس الفكرة جالت فى فكر الضابط فدار، وعاد من حيث أتى، وبعدها تم تضميد جراحهم وتقديم العشاء والأغطية، وفى الصباح تم عرضهم على النيابة. ويتابع أحمد «تم احتجازنا فى مكان الاحتجاز لمدة سبع ساعات، وعند عرضى على وكيل النيابة، نظر إلى طويلا، واستمع إلى أقوالى كمتهم، ثم سجل أقوالى كمجنى عليه، قبل أن يأمر بإخلاء سبيلى، أنا وثلاثة شبان آخرين، هم: على مصطفى محام، ومحمد مهندس كمبيوتر، وحمادة 19 سنة يعمل كومبارس بالسينما، أما الفتيات، فقد اختفين تماما». أحمد عفيفى، اختتم حديثه قائلا، «تعذبت دون سبب، ولا يوجد اعتذار يكفى، لكن قبل كل هذا، لا بد أن يعرف الجميع أننى ومن معى خرجنا لأننا نبدو (ولاد ناس)، بينما الآخرون محبوسون لأنهم شكلهم (غلابة)». أما نحن، فننهى كلامنا بفقرة، نراها البداية لطريق المحاسبة، فليس المجلس العسكرى وحده هو من يريد محاكمة البلطجية، فنحن أيضا نريد أن نحاكم السفاحين، الذين يختفون وراء الزى العسكرى. الشاب المفرج عنه، الذى ستظل آثار التعذيب على جسده شاهدة على الجرائم، التى ارتكبت ضد الثورة والثوار، لا يعرف أسماء الضباط الذين عذبوه، ولكن لفت نظره أن أغلب من تبادلوا عملية الضرب عليه، كانوا ملثمين، فشعر فى وسط آلامه ورعبه، أن من يعذبوه أيضا خائفون ومرعوبون، وعلى رأسهم ضابط كان يأمر بهتك عرض الفتيات، كل ما يعرفه عنه أحمد أن صورته كانت منشورة فى الصحف، وأن البعض قالوا إنه ضابط المظلات النقيب حسام صلاح الدين. الذى ذكر اسمه كثير من الفتيات فلماذا يحميه المجلس العسكرى حتى الآن؟