انتخابات أمريكا 2024| وولتز يتهم ترامب بإثارة الأزمات بدلاً من تعزيز الدبلوماسية    أسعار اللحوم والدواجن اليوم 2 أكتوبر بسوق العبور للجملة    على غرار الذهب، ارتفاع أسعار النفط بعد الهجوم الإيراني على إسرائيل    قلق وخوف، تفاصيل مثيرة وراء استبعاد حجازي والنني من معسكر مباراتي موريتانيا    محمد إبراهيم: صدمت بمستوى إمام عاشور في السوبر ورفضت عرض بيراميدز    مصرع قائد تروسيكل في حادث تصادم سيارة ب صحراوي سوهاج    كسوف الشمس 2024، البحوث الفلكية توجه نداء للمواطنين قبل ساعات من حدوث الظاهرة    دراسة خطرة: 740 مليون طفل ومراهق يعانون من قصر النظر في منتصف القرن    نايكي تعلن عن انخفاض أرباحها في الربع الأول    بعد قصف إيران لإسرائيل.. ما هو صاروخ «فاتح» الباليستي؟    قائمة منتخب مصر.. عودة دونجا بعد غياب عامين ونصف    نجم الزمالك السابق: هذا اللاعب كان يستحق التواجد في منتخب مصر    الجيش الإسرائيلي يقصف أهدافا في بيروت    وزير الخارجية الإيراني: رد طهران انتهى ما لم تستدع إسرائيل مزيدًا من الانتقام    لحظات مؤثرة بتكريم نيللي ولطفي لبيب في مهرجان الإسكندرية.. صور    7 قتلى في إطلاق نار في مدينة يافا بإسرائيل    الصحة اللبنانية: استشهاد 55 شخصا وإصابة 156 جراء هجمات إسرائيلية خلال 24 ساعة    عاجل بيان رئاسي فرنسي.. تعزيز الأمن في الشرق الأوسط ومواجهة التهديد الإيراني مع دعم لبنان لاستعادة سيادته    مصر تُحذّر من تصعيد الأوضاع: تداعياته غير معلومة العواقب    إليسا تسخر من إيران عقب الهجوم الصاروخي على إسرائيل.. ماذا قالت؟    طريقة حل تقييم الأسبوع الثاني علوم للصف الرابع الابتدائي بعد قرار الوزير بمنع الطباعة    محافظ أسيوط يؤكد أهمية المتابعة الدورية للقطاعات والمشروعات وسير العمل    غرق طفل بترعة في العياط    إحداها أمام قسم المنيرة.. 10 مصابين في 4 حوادث متفرقة بالجيزة    "السقف ولع".. سيارتا إطفاء تواجه نيران شقة ببولاق أبو العلا    بعد خفض الفائدة الأمريكية.. موعد اجتماع البنك المركزي المقبل    عبد الواحد السيد: المثلوثي سيجدد للزمالك ونسعى لتسويق سامسون وثلاثي الأبيض    برج الدلو.. حظك اليوم الأربعاء 2 أكتوبر 2024: العند يهدد صحتك    تذكر أن الأمور ليست بهذا التعقيد.. برج الحمل اليوم 2 أكتوبر    توقعات الذهب حول العالم.. التوترات تشعل المعدن الأصفر    إيران: الرد على إسرائيل انتهى إلا إذا استدعت الأمور مزيدا من التصعيد    عبدالغفار: «100 يوم صحة» قدمت 97 مليون و405 آلاف خدمة مجانية في شهرين    المركزي: الودائع غير الحكومية بالعملة المحلية في البنوك تتجاوز 7 تريليونات جنيه بنهاية أغسطس    رسميًا.. موعد صرف مرتبات شهر أكتوبر 2024 وحقيقة تبكيرها بعد قرار وزارة المالية الجديد    عقوبة التحريض على الفسق والفجور وفقا للقانون    لمرورها بأزمة نفسية.. التصريح بدفن جثة فتاة سقطت من أعلى عقار في المرج    تحرير 13 محضرًا لمخالفات تموينية بقلين    ختام كورس ألف مُعلم كنسي "طور" بحلوان    عبد الواحد: تجديد زيزو في يده.. واستبعاد عمر جابر من المنتخب غريب    الداخلية يضم ميدو العطار لاعب الترسانة    إنتر ميلان يضرب سرفينا زفيزدا برباعية في دوري الأبطال    حازم إيهاب مازحا مع مخرج مسلسل انترفيو: "بيقول عليا غلبان ورغاي"    «أغنية كل أسبوعين».. ماذا حققت أغاني عصام صاصا التي طرحها خلال حبسه؟    إلهام شاهين: سعيدة بالتكريم في مهرجان المونودراما وأكره الحروب وأنادي بالسلام    البحوث الإسلامية: بناء شراكة فعالة بين المؤسسات الدينية ينتج خطابًا دينيًا منضبطًا    سلمى أبو ضيف تهدد بمقاضاة المتنمرين على حملها (تفاصيل)    بطريرك الأقباط الكاثوليك يشارك في رتبة التوبة    تقترب من النصف، زيادة جديدة في سعر دواء شهير لزيادة سيولة الدم ومنع الجلطات    اصنعيه لأطفالك بأقل التكاليف، طريقة عمل الكب كيك    كارولين عزمي كاجوال وساندي أنيقة.. 10 لقطات لنجوم الفن خلال 24 ساعة    هيام ابنة كفر الشيخ أتمت حفظ وتجويد القرآن بالقراءات العشر    في اليوم العالمي للمُسنِّين .. كيف نظر الإسلام لبِرِّ الأبوين في كِبرهما؟    هل الأكل حتى الوصول لحد الشبع حرام؟.. أمين الفتوى يجيب    خالد الجندى: من يؤمن بأن "السحر يضر" وقع فى الشرك بالله    رئيس جامعة المنوفية يستقبل المحافظ وسفير الاتحاد الأوروبي بالجامعة الأهلية    الرئيس السيسى يؤكد التزام الدولة باستقلال القضاء كركيزة دستورية أساسية    مجلس النواب يرفع جلسته الافتتاحية وعودة الانعقاد غداً    أذكار الصباح والمساء مكتوبة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لا تجعلوا التاريخ يعيد نفسه
نشر في التغيير الإلكترونية يوم 12 - 04 - 2011

أجمل الثورات وأنبلها وأكثرها قدرة على الوصول بالأوطان إلى بر الأمان هى تلك التى يظل فيها الغضب حياً ولكن فقط كوسيلة لإيقاد روحها حتى تتحقق كل أهدافها، ولا يتحول الغضب إلى هدف وغاية لها تجمع بين الذين شاركوا فى الثورة عن قناعة وبين الذين وقفوا يتفرجون عليها دون أن يشاركوا فيها كحلم، ثم لما نجحت انضموا إليها مشاركين فقط فى روحها الغاضبة، ليصبحوا عبئا عليها بدلا من أن يكونوا سببا فى نجاحها،
ويصيروا ذريعة يستند إليها بعض الذين شاركوا فى الثورة منذ بدايتها لكنهم لا يمتلكون قدرة على تحديد الأولويات وجرد المكاسب وتوقع الخسائر، وعندما يتحد هذان الطرفان معا تخوض الثورات مأزقا صعبا حتى لو كان لها قادة نبلاء وحكماء، بل إن الظروف يمكن أن تجبر بعض القادة على المزايدة لكى لا يخسروا جماهيريتهم لدى الناس، وهنا فقط يصبح نجاح الثورات على المحك، ويصبح واجبا على الجميع أن يتحمل مسؤوليته التاريخية فى قول الحقيقة كما يراها دون حسابات، بدلاً من أن يكتفى بالفرجة وهو يتمتم قائلا «أزفت الآزفة ليس لها من دون الله كاشفة».
ستظن أيضا، وبعض الظن ليس إثما، أننى أتحدث عما تواجهه ثورتنا اليوم، لكننى مازلت أتحدث عن تلك المرحلة الدقيقة التى واجهت ثورة 1919 العظيمة التى خصص لها المؤرخ الدكتور حمادة محمود إسماعيل كتابه (فصل مجهول من تاريخ ثورة 19)، ليحكى لنا كيف تصاعدت الخلافات فى عام 1921 بين الثائرين من أنصار سعد والثائرين من أنصار عدلى، دون أن يدرك الجميع أن البلاد فى حاجة إلى تكاتفهم حتى تخرج البلاد بأقل خسائر ممكنة فى مفاوضاتها القادمة مع الإنجليز، تمهيدا لنيل الاستقلال التام دون موت زؤام،
وتعالت صيحات العقلاء من تيارات مختلفة مثل الأمير عمر طوسون والشيخ محمد ماضى أبوالعزائم وعبدالعزيز فهمى باشا وأخذوا يذكّرون الثائرين بأن يعودوا إلى روح الثورة التى جمعتهم فى مواجهة الإنجليز وجعلت الشعب المصرى يهب من سبات عميق، لكن الجميع زايدوا على بعضهم البعض وقرر كل منهم أنه يمتلك الحقيقة المطلقة، فتحولت الخلافات إلى مصادمات عنيفة سقط فيها عشرات القتلى ومئات الجرحى وأُحرقت مئات المنشآت وأصيب الأجانب بذعر دفع بعضهم لمغادرة البلاد و«تعطلت المصالح» طبقا لتعبير الصحف وقتها، بل تحولت المظاهرات إلى «غية» ومزاج طبقا لتعبير السياسى البارز ذى الميول المحافظة عبدالعزيز فهمى، الذى قال فى خطبة له وهو يصف كيف انحرفت الثورة عن مسارها قائلا «تلاشت الروابط الأخلاقية فأصبح الصغير لا يوقر الكبير، والجاهل يستطيل على العالم، والزميل على زميله والأخ على أخيه والمرأة على زوجها والابن على أبيه، وأصبح سباب الناس أمرا سائغا كأنه من الأغانى المليحة المرغوب فيها».
يومها اندلعت نيران الغضب فى الإسكندرية بعد أن هدأت قليلا فى القاهرة والمحافظات بسبب حادث تسبب فيه رجل يونانى أطلق النار على بعض الطلاب فى حديقة الشلالات، وكما يقول الدكتور إسماعيل فقد أثار ذلك علامات استفهام وظلال شك حول نوايا بعض الأجانب ودورهم فى هذه الحوادث وإشعال نارها، لكن إذا كان هناك أجانب قد ساهموا فعلا فى صب النار على الزيت فإن أولاد البلد أكملوا المهمة بنجاح ساحق، فقد تحولت كل الجنازات التى خرجت لتشييع من سقطوا فى الأحداث إلى مصادمات جديدة يسقط عنها المزيد من القتلى والجرحى،
واستفحلت المصادمات بين المصريين والأجانب فى الإسكندرية بعد أن أشعل فتيلها رجل يونانى أحمق، وخرج سعد زغلول بعد فوات الأوان لكى يحاول تهدئة النفوس ويناشد المصريين حماية حياة «الأورباويين» كما جاء فى بيانه الذى لم يسمعه أحد فى وقت صار الغضب الأعمى أنشودة هادرة لا يطلب غيرها المستمعون، وفشلت كل محاولات نزع فتيل الأزمة من قرارات حظر تجول وتحذيرات من النيابة العامة ومحاكمات عسكرية للمتسببين فى الأحداث وفتاوى وعظات من علماء ورجال دين وبيانات من مثقفين تلوم الأغراض الشخصية لبعض السياسيين، ووجدت إنجلترا فى كل ما حدث فرصة سانحة لربط ما حدث بالمفاوضات التى كانت مقبلة عليها مع المصريين لتحقق أهدافاً سياسية كانت تتمناها،
وبعد أن كان حزب الوفد حريصا على إشعال طاقة الغضب لدى الجماهير فى صراعه مع عدلى وصحبه، أخذ يوالى إصدار البيانات التى تناشد الجميع الحكمة والتعقل ويتحدث عن أسفه على ما يجرى محملاً المسؤولية للبوليس وتدخلاته، فى حين دخل الحزب الوطنى على الخط ليصدر بياناً يهاجم فيه الجميع بما فيه حزب الوفد الذى يقبل بمبدأ المفاوضات، «أما الحزب الديمقراطى الذى كان حديث عهد بالظهور على المسرح السياسى فقد حاول من خلال الحوادث أن يوجد لنفسه طريقا لإثبات وجوده»، وأخيرا تضافرت كل الجهود السياسية والشعبية لكى تتوقف المصادمات ولكن بعد أن أوقعت 60 قتيلا و210 جرحى.
فى تقييمه لما حدث يقول الدكتور حمادة إسماعيل إن الطريق إلى تلك الحوادث المؤسفة كان وراءه «الصراع الذى نشب بين سعد وعدلى، وإصرار الأول على أن يكون وكيل الأمة منذ سنة 19، وأن يكون بناء على ذلك رئيس وفد المفاوضات، وإصرار الثانى بما أنه رئيس للوزراء فلابد أن يكون رئيس هذا الوفد، هذا الصراع وهذا التهافت على من يدير دفة المفاوضات أدى إلى انشطار البلاد ما بين مؤيد لسعد ومؤيد لعدلى، فوقعت البلاد فريسة للانقسام وحدث هذا الشرخ فى البناء الوطنى، وساعد على تفاقم الأمور تخبط وزارة عدلى ما بين ترك الحبل للمظاهرات حتى لا يحدث صدام مع أنصار سعد،
وبين ضربها المظاهرات بقوة مفرطة عندما زادت عن حدها ، كما زاد فى إشعال الأمور ما كانت تعانيه البلاد من أزمة اقتصادية ومشاكل خاصة بأرباب بعض المهن ومشاكل خاصة ببعض المناطق كالإسكندرية، وكلها عوامل طعمت تلك الحوادث بقوى دفع جديدة». وكانت بريطانيا هى المستفيد الأول من كل ما حدث فقد أثبتت أن مصر عاجزة عن حماية الأجانب الذين يعيشون على أرضها، وهو ما جعلها تقدم على إصدار تصريح 28 فبراير المشؤوم الذى خططت له منذ أواخر 1919 الذى اعتبره الجميع ضربة قاصمة لنجاح ثورة 19، لكن ينبغى القول إنه لولا أن الشعب المصرى بمثقفيه ونخبه وطوائفه أثبت فى تلك الأيام يقظة لا تقل عن يقظته فى 1919 بعد أن أحس بخطورة ما يحيق بقضيته الوطنية لكان الثمن الذى تدفعه البلاد أكثر بكثير.
هل عرفنا الآن لماذا لم تحقق ثورة 19 كل أهدافها؟ ولماذا لم تسفر عن حياة ديمقراطية سليمة بفعل المادة التى تم إقحامها فى دستور 1923 التى تعطى للملك حق إقالة الوزارة متى شاء، وهى مادة لم يكن ممكنا أن تمر لو كان هناك توافق وطنى شامل وتطبيق لمبدأ «مشاركة لا مغالبة»؟ هل عرفنا كيف راحت دماء شهداء ثورة 19 هدراً عندما غرقت البلاد فى دوامة من التخبط السياسى والفساد الاقتصادى والتفكك الاجتماعى جعلت الملايين فيما بعد يصفقون من قلوبهم لضرب الحياة النيابية وإلغاء الأحزاب وإسقاط الدستور وحكم العسكر الذى تحول إلى حكم الفرد بعد أن ظن الناس أن كل ما جرى لهم من مشاكل وأزمات كان بسبب الحرية، وهنا دخلت البلاد منعطفا جديدا لم تنفعنا فيه النوايا الحسنة ولا الشعارات النبيلة، وانتقلنا من سىء إلى أسوأ حتى جاءت ثورة الخامس والعشرين من يناير لتنقذ هذه البلاد؟.. من ثورة جياع مدمرة لا يعلمها إلا الله، وتفتح بابا لتحقيق حلم الديمقراطية والدولة البرلمانية وإنهاء حكم الفرد إلى الأبد، فهل نساعد بعضنا البعض على الدخول من هذا الباب ونغلق جميع الأبواب التى نفتحها على أنفسنا، برغم أنها تبدو مشروعة ونبيلة، لكنها يمكن أن تبعدنا عن الباب الوحيد الذى سيحقق لنا كل ما نتمناه حتى لو تأخر بعضه قليلا، باب الديمقراطية وتداول السلطة سلميا، وهو الحل الوحيد الذى وجده الإنسان المعاصر لجعل الحياة أكثر احتمالا.
هل ندرك ذلك فنكون صرحاء مع أنفسنا، أم نكتفى بالمزايدة على بعضنا البعض، بينما يفضل العقلاء الصمت مرددين «أزفت الآزفة ليس لها من دون الله كاشفة»، فنضيع بذلك ثورة جديدة ونحولها بأيدينا هذه المرة إلى ثورة جياع تلتهم الأخضر واليابس؟
ألا هل بلغت، اللهم فاشهد.
المصرى اليوم


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.