احتجاجات ضد البطالة تملأ أنحاء تونس شهدت مناطق متفرقة من البلاد التونسية مسيرات حاشدة تقودها أطراف نقابية، امتدادا لحركات المساندة والاحتجاج التي عرفتها محافظة سيدي بوزيد منذ أكثر من أسبوع والتي خلفت قتيلاً برصاص الشرطة وعدداً من الجرحى. واتخذت أغلب المسيرات في مضمونها أبعاداً اجتماعية واقتصادية منددة بوضعيات الفقر والبطالة والتهميش القائمة في بعض المناطق الداخلية للبلاد، فضلاً عن مساندتها المطلقة لأهالي سيدي بوزيد وشملت كلاً من محافظات مدنينوالقيروانوصفاقس. وأظهرت مقاطع فيديو وبيانات تم تداولها عبر موقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك) تجمعات نقابية حاشدة عرفتها هذه المناطق وبعض القرى والمدن المجاورة لها ردد خلالها المتظاهرون شعارات تطالب بالتنمية العادلة وتدعو إلى الحرية والكرامة. وشهدت مدينة بن قردان من محافظة مدنين الواقعة على الحدود الليبية خروج حشود من المتظاهرين جابت شوارع المدينة وطالبت خلالها بحقها في التنمية وتشغيل أصحاب الشهادات العليا. وكانت مدينة بن قردان قد شهدت في شهر أغسطس/آب الماضي أعمال شغب ومصادمات عنيفة بين قوات الأمن ومتظاهرين غاضبين طالبوا بإعادة فتح بوابة رأس الجدير التجارية، والتي تمثل مصدر الرزق الأساسي لأهالي المنطقة التي يقطنها نحو 60 ألف ساكن، ولم تهدأ الاضطرابات إلا بعد أن أقدمت الحكومة التونسية على إجراء مفاوضات مع السلطات الليبية انتهت بفتح المعبر لحركة البضائع. من جانب آخر، أظهر مقطع فيديو مسيرة تضامنية لأهالي محافظة القيروان بالوسط الغربي للبلاد وتجمع عدد كبير من النقابيين الذين خرجوا في مسيرة تضامنية مع الحركة الاحتجاجية في سيدي بوزيد، وقد ردد النقابيون شعارات تنادي بالحق في الشغل والتنمية خاصة في الجهات المحرومة. وتتردد أنباء غير مؤكدة عن اندلاع مسيرات سلمية في مناطق من المدن التونسية ببادرة من الحركات النقابية في هذه المناطق على غرار معتمدية (جبنيانة) من محافظة صفاقس ومحافظة سليانة. في حين لايزال الوضع يتسم بالهدوء الحذر في مدينة (منزل بوزيان) وفق ما نقله شهود عيان، وشهدت المدينة دفن الشاب محمد لعماري إثر إصابته برصاصة أطلقتها قوات الأمن الجمعة إثر اشتباكات عنيفة مع المتظاهرين. وكانت الحكومة التونسية أعلنت إثر اندلاع احتجاجات سيدي بوزيد عن برنامج تنمية شامل وتوفير مواطن شغل لخريجي مناطق متفرقة من هذه المحافظة بقيمة 15 مليون دولار. ونقلت مصادر إعلامية عن وزير التنمية والتعاون الدولي محمد النوري الجويني قوله إن (الحكومة التونسية وضعت برنامجاً بقيمة خمسة مليارات دولار لتحقيق التنمية الشاملة في جميع جهات البلاد). وأكد الوزير التونسي أن (مطالب الشباب هي مطالب مشروعة، لكن ذلك لا يبرر استعمال العنف في الاحتجاجات). ومثلت محاولة انتحار الشاب محمد البوعزيزي (26 عاماً) حرقا أمام مقر محافظة سيدي بوزيد منذ أكثر من أسبوع والذي يشكو البطالة والحامل لشهادة الأستاذية احتجاجاً على منع السلطات بالجهة تمكينه من بيع الفواكه والخضراوات الشرارة الأولى لتفجر الأوضاع بهذه المحافظة كما عمد شاب ثان إلى الانتحار إثر تسلقه لعمود كهربائي. ودخلت الاحتجاجات، التي امتدت رقعتها إلى مناطق مختلفة من البلاد ووصل مداها إلى العاصمة التونسية، يومها التاسع احتجاجاً على ما وصف (بالأوضاع الاجتماعية المتردية والبطالة والتهميش والتوزيع الغير عادل للثروات وتضامناً مع أهالي سيدي بوزيد). **تشغيل خريجي التعليم العالي هاجس يؤرق الحكومة والشبان في تونس** وتعود الشرارة الأولى لهذه الاحتجاجات بعدما أقدم محمد البوعزيزي، وهو شاب في مقتبل العمر، على إحراق نفسه في حركة احتجاجية على بطالته المستمرة لتطلق شرارة احتجاجات واسعة بمدينة سيدي بوزيدالتونسية ومدن مجاورة لها منذ عشرة أيام. أما محمد العماري البالغ من العمر 26 عاما فقد قتل برصاص الشرطة حين خرج السبت الماضي في مظاهرة بمدينة بوزيان التابعة لسيدي بوزيد للمطالبة بالعمل بعد أن أصبح من العاطلين رغم أنه حاصل على أستاذية في الفيزياء منذ ثلاثة أعوام. مشهد قاتم دق ناقوس الخطر للحكومة التونسية التي تسعى لمواجهة هاجس البطالة كي تتفادى مزيد من الاحتجاجات الاجتماعية في البلاد. وأصبحت ظاهرة بطالة خريجي التعليم العالي في تونس من أبرز التحديات التي تؤرق الحكومة التونسية التي تحاول أن تحشد جهودها لإيجاد فرص عمل لهذه الفئة التي تمثل خمس إجمالي العاطلين عن العمل البالغ عددهم نحو 500 ألف وفقا لأرقام رسمية. ويشكك خبراء في هذه الأرقام ويقولون إنها أعلى بكثير. وتشير الأرقام الرسمية إلى أن الوضع لن ينفرج قريبا بعد أن ارتفع عدد خريجي التعليم العالي إلى نحو 80 ألفا سنويا بعد أن كان لا يتجاوز 40 ألفا خلال السنوات الخمس الماضية. وكان الرئيس التونسي زين العابدين بن علي تعهد العام الماضي بتوفير 415 ألف فرصة عمل جديدة حتى 2014 والتقليص من نسبة البطالة التي تبلغ حاليا 14 بالمئة. وألقى وزير الشباب سمير العبيدي في وقت سابق هذا العام باللوم على عدم إتقان العديد من خريجي التعليم العالي للغات الأجنبية مثل الإنجليزية والألمانية. وقال (الشهادات الجامعية أصبحت لا تكفي لوحدها.. إنها الحد الأدنى المطلوب.. على الشبان الباحثين عن فرص عمل حقيقية إجادة لغتين أجنبيتين على الأقل والتمكن من وسائل التكنولوجيا الحديثة). وأضاف أنه من ليس له هذه المؤهلات فهو يفتقر لإمكانيات التشغيل. لكن وزير التشغيل محمد العقربي قال إن بلاده تحشد جهودها للتقليص من هذه المعضلة من خلال تنظيمها لدورات مستمرة في اللغات الأجنبية والتكنولوجيات الحديثة لخرجي التعليم العالي ومن وحوافز ومنح مالية تقدم للمؤسسات التي تشغل هذه الفئة. وأضاف أن الحكومة تشجع أيضا الشبان على أحداث مشاريع خاصة من خلال تقديم مساعدات وقروض. وتعد مشكلة البطالة هاجسا يقلق الحكومة التونسية بعد أن شهدت الأعوام الماضية ارتفاعا في نسب المهاجرين غير الشرعيين إلى أوروبا فعقدت تونس اتفاقيات مع بلدان أوروبية مثل فرنسا وإيطاليا لإرسال عمال في مختلف الاختصاصات بشكل منظم مما قد يقلص من حدة الظاهرة. ويضطر أغلب الحاصلين على شهادات جامعية للانتظار لفترات بين عامين وستة أعوام للحصول على وظيفة في القطاع الحكومي أو الخاص. وفي عام 2008 أيضا اشتبك متظاهرون في قفصة بجنوب البلاد مع الشرطة للمطالبة بتوفير فرص عمل في احتجاجات نادرة الحدوث في تونس تسببت في مقتل متظاهر. وقال مسؤولون تونسيون انهم يسعون لجذب مزيد من الاستثمارات الأجنبية لتونس لخلق مزيد من فرص العمل. لكن خبراء قالوا إنه يتعين على تونس تحسين مناخ الاستثمار والقيام بمزيد الإصلاحات. وقال فتحي الجربي الخبير الاقتصادي (يجب على تونس تحسين مناخ الاستثمار لجلب شركات أجنبية كبرى توفر عددا كبيرا من فرص الشغل). واعتبر أن الشركات الموجودة في تونس لا تساهم بشكل فعال في التقليص من بطالة حاملي الشهادات العليا داعيا الحكومة إلى إقامة مشاريع ذات قيمة مضافة عالية لتسريع النمو الاقتصادي واستيعاب الطلبات على العمل.