لو كنا نعيش فى وطن طبيعى لكان من المفروض بل والواجب أن تكون قد استمتعت بإجازة يوم أمس الأول الأحد، غير أننا للأسف نعيش فى وطن «فوتوشوب» يكره الحقائق ويعبث بالوقائع طوال الوقت.أمس الأول كان 24 أكتوبر، لو فتحت أجندة التقويم ستجده إجازة رسمية، لكن فى ظل اللهو بالتواريخ تم إسقاطه من ذاكرة الإجازات القومية، وكأن المطلوب أن نمحو شيئا فشيئا ظلال معركة صمود مدينة السويس الباسلة ضد العدو الصهيونى فى 24 أكتوبر 1973. عندما كنا أطفالا كان 24 أكتوبر عيدا قوميا فى مصر، إجازة لجميع المصريين احتفالا بانتصار السويس، بعد أن استجاب الرئيس الراحل أنور السادات لطلب أهالى السويس حين زارها عام 1977 باعتماد 24 أكتوبر من كل عام عيدا قوميا، كان اسمه عيد المقاومة، وبعد رحيل السادات بعامين فقط، تم اختصاره من عيد قومى إلى عيد للسويس فقط، بحيث صار سكان المدينة وحدهم يحصلون على إجازة رسمية فيه، وفى التسعينيات أطلقوا الرصاصة الأخيرة على عيد مصر القومى بأن ألغوا اعتباره إجازة رسمية حتى للسويس نفسها. كنا فى المدارس صغارا نحتفل بعيد المقاومة، فى الإذاعة المدرسية نتسابق فى إلقاء الكلمات عن بطولات السويس، وفى حصة التاريخ يأخذنا الأساتذة إلى ميدان المعركة لكى يعلمونا أن الأرض كالعرض، ويحدثونا عن كفاح الشهداء ومعانى الفداء والتضحيات. أما الآن فلا أحد يتذكر لأنهم لا يريدون أن تكون هناك ذاكرة وطنية من الأساس، جرب أن تسأل ابنك أو ابنتك عن يوم 24 أكتوبر، فلن تحصل على إجابة، لأن الأرض لم تعد عرضا، بل صارت وليمة للمغامرين ممن يملكون الثروة والقرب من السلطة، يقتطعونها بعشرات الأفدنة ويمنحونها للمحاسيب بملاليم لكى يكسبوا منها المليارات، ثم يغدقوا على الفنانات والمحظيات بالملايين. ولن تعدم من يرد عليك بوقاحة إذا سألت عن إلغاء إجازة عيد المقاومة بأن السبب هو المحافظة على وقت المصريين وعدم تعطيل عجلة الإنتاج، ومن ثم عدم التأثير سلبا على الدخل القومى. ومثل هؤلاء لا تصدقهم أبدا لأننا أمهر شعوب العالم فى إهدار الوقت، لا نحترمه إطلاقا، والحكاية باختصار أن مفردات مثل «المقاومة» و«النصر» صارت ثقيلة الوطء على من يتسولون لحظات التفاوض تحت أقدام المعتدى، ولا يحترمون من الحروب والمعارك إلا ما تدار فى ملاعب الكرة، خصوصا لو كان الخصم عربيا شقيقا، شاركنا القتال ضد الصهاينة