يخاف من الظلام، ليصبح شرير الشاشة الأول، ذلك الشرير الذي بدأ حياته مع فرقة "فاطمة رشدي" المسرحية ليمثل في أدوار هامشية، براتب قدره أربعة جنيهات في الشهر، ولاقتناع " فاطمة رشدي " به ترشحه لدوره السينمائي الأول في فيلم "الزواج على الطريقة الحديثة" ليقوم بعدها بدور بطولة في أول فيلم له، ولكن بعد فشله يترك "محمود المليجي" الشاشة والجمهور، لينزل درجات السلم حيث الصندوق المواجه لأبطال المسرحية، عندما يعمل كملقن لهم. بداية "محمود المليجي" تبدأ حيث كان طالبًا في الدرسة الخديوية الثانوية، ليلتحق بفرقة المدرسة المسرحية التي كان يدربها أعلام المسرح حينئذ ، يقول " المليجي " عن تلك التجربة: " في السنة الرابعة جاء عزيز عيد ليدربنا، جذبتني شخصيته الفذة وروعة إخراجه وتطور أفكاره، وكنت أقف بجانبه كالطفل الذي يحب دائماً أن يقلد أباه.. وقد أُعجب بي عزيز عيد وأنا أمثل، ومع ذلك لم يُعطنِ دوراً أمثله، وكان يقول لي دائماً.. (إنت مش ممثل.. روح دور على شغلة ثانية غير التمثيل).. وفي كل مرة يقول لي فيها هذه العبارة كنت أُحس وكأن خنجراً غرس في صدري، وكثيراً ما كنت أتوارى بجوار شجرة عجوز بفناء المدرسة وأترك لعيني عنان الدموع، إلى أن جاء لي ذات يوم صديق قال لي : إن عزيز عيد يحترمك ويتنبأ لك بمستقبل مرموق في التمثيل، فصرخت فيه مَنْ قال لك ذلك ؟ أجاب إنه عزيز عيد نفسه.. وعرفت فيما بعد أن هذا الفنان الكبير كان يقول لي هذه الكلمات من فمه فقط وليس من قلبه، وإنه تعمَّد أن يقولها حتى لا يصيبني الغرور، وكان درساً لاينسى من العملاق عزيز عيد" . عندما تراه " فاطمة عيد " ، تدرك أن ذاك الفتى النحيل، ذو الأنف الحاد والعينين الواثقتين هو الذي تبحث عنه، وبرغم حل فرقة "فاطمة عيد" إلا أن تلك الخطوة في عالم السينما هي من خلقت من "الملقن" فنانًا، يقف في المسرح والسينما واثقًا لا يلقي الكلمات وكأنها وقعت على مسامعه منذ قليل، بل وكأنها كانت في صدره منذ أزمان، ليقولها، وأنت لا تشعر في " مليجي " ممثلًا يجب أن يؤدي واجبه ويرحل، بل تشعر أن الرجل الذي أمامك هو "محمد أبو سويلم في فيلم الأرض" الذي عاني من ظلم الإقطاع، أو هو الشرير الذي يتواطأ على قتل الفتاة اليتيمة حتى ليبدو أن قتله لشخص ما، هي الحقيقة بعينها لذا لن تصدقك عينيك إن رأيته على الحقيقة، بل وستطالب بالثأر من الشرير الذي قتل، ستنزل دمعوك تعاطفًا مع الضحية، وستتمنى لو كف "المليجي" عن الشر قليلًا. مع بدايته السيئة في عالم الفن، فإن القدر يلقي ضرباته المتتابعة على الشرير، ليموت أباه في بداية علاقته بالفن، حيث لا يترك الوالد ما يكفي من المال، ولا يملك الابن ما يكفي ليعيل العائلة، ويكلف بمثل تلك المهمة التي لم يعمل لها الحساب من قبل ، تدابير الرب كبرى، حيث يستكمل الشاب مهنته وهو يبدأها بسلاسة تامة أمام الشاشة، ولكن أثناء سفره مع "فرقة رمسيس" فإن خبر وفاة والدته يأتي، وكأن قلب "محمود" كتب عليه أن يتحمل المزيد، دون أن يعلن اعتراضه أمام تلك الأحداث المتلاحقة. لا يملك المال الكافي للسفر ولا لمراسم الدفن، ومن أحلك اللحظات يولد الحب في حياة "محمود المليجي" . تظهر "علوية جميل" تلك الفنانة التي شاركت "المليجي" حياته من بدايتها لنهايتها، حيث تسمع تلك المشكلة لتغيب قليلًا حتى تعود وقد باعت "إسورتها" ليتمكن من السفر ودفن أمه، ويعود "محمود" وهو لا يتردد عن يرتبط بتلك التي آنسته، وأنست وحدته، وصنعت فيه معروفًا لن ينساه حتى الموت. توافق، ويتزوج اليلقب "بابن زوجته" داخل الوسط الفني، ذلك اللقب الذي جاء من تلك العلاقة الفريدة التي لم يتميز بها الوسط الفني، حيث التقلبات العاطفية التي تنتاب الفنانين، وتجعل من استمرار العلاقات ضربًا من الخيال، ولكن وجود التفاهم، والحب كانا كفيلان أن يجعلا تلك العلاقة أشبه بعلاقات الحب الأسطورية التي لا تنتهي إلا بموت أحد الحبيبين. برغم استمرار تلك الزيجة، إلا أن هناك ما قد عكر صفوها بعد مضي السنوات، حيث "علوية" التي تكبر "محمود" بخمسة عشر عامًا تصاب بالقلب، فيتزوج الفنان الكبير بإحدى العاملات معه، ويقال أنها من خدرته لتتزوجه، ولكن في النهاية علوية لا توافق، والشرير لا يكسر بقلب امرأته، فيطلقها. الزيجة الثانية على علوية كانت من الفنانة "سناء يونس" بموافقة علوية هذه المرة، ولكن دون علم الجمهور، ليتركها وتصبح هي أشهر عانس في السينما المصرية .. يقولونها ولا يعلمون أنها ارتبطت هي الأخرى بذلك الذي غاب ليأخذ معه الحب والألفة. وأما عن الموت المليجي فإنه لم يكن موتًا اعتياديًا على فراش الموت حيث يجمع أولاده حوله، ويحكي بضع النصائح ليفارق الحياة، ف"محمود" كرس حياته لمهنته التي فارق فيها الحياة، فكما هناك من مات على خشبة المسرح وهو مؤديًا دوره بانسجام كامل، مات "محمود المليجي" في مثل هذا اليوم السادس من يونيو عام 1983 بانتظار بدء تصوير المشاهد الأخيرة من فيلمه الأخير "أيوب" حيث كان يحتسي القهوة مع الفنان "عمر الشريف" ليموت قبل أن يكمل فنجانه، وقبل أن يكمل المشهد الأخير، تاركًا كل من عرفهم قبل أن يودعهم بكلمة تليق بهيبة كلماته، في أفلامه السبعمائه التي قدمها للسينما المصر .