القوات المسلحة تنظم زيارة لعدد من الملحقين العسكريين إلى إحدى القواعد الجوية    أسعار الحديد تواصل التراجع في مصر.. ما هي الأسباب والتوقعات؟    " اخر تحديث" سعر الريال السعودي مقابل الجنيه المصري اليوم الأربعاء 23 أكتوبر 2024    جامعة القاهرة تصدر دليلا لسياسة ترشيد الطاقة    محافظة أسيوط تنظم 3 جلسات تشاور بمركز الغنايم لمناقشة احتياجات المواطنين    انطلاق قمة «بريكس» في روسيا بمشاركة الرئيس السيسي    وزير الخارجية يلتقي مع نظيره الروسي على هامش قمة مجموعة بريكس    «لوفتهانزا» تلغي رحلاتها من وإلى بيروت حتى 28 فبراير المقبل    كبير موظفي البيت الأبيض في عهد ترامب: الرئيس السابق ينطبق عليه التعريف العام للفاشي    الرئيس الإيراني: استمرار جرائم الاحتلال في غزة ولبنان لم يبق لنا خيارا غير الرد عليه    تأجيل قضية ثلاثي الزمالك في الإمارات ل29 أكتوبر واستمرار حبسهم    تحرك برلماني لإعادة النظر في سياسات التعليم للتقييم الدراسي والواجبات المنزلية    إصابة شخصين في حادث انقلاب سيارة بمنطقة الصف    الداخلية: سحب 1372رخصة لعدم وجود ملصق إلكتروني خلال 24 ساعة    التحقيق مع تشكيل عصابي في سرقة الهواتف المحمولة في أبو النمرس    السيطرة على حريق نشب في مصنع للملابس بشبرا الخيمة    محمود شرشر يسترجع حقه من سوسن وفاتن تبيع ليلى ل أكرم.. أبرز أحداث الحلقة ال29 من "برغم القانون"    وزير الخارجية الأمريكي يصل الرياض    شريف الشمرلي يعلن قائمته لخوض انتخابات اتحاد الكرة الطائرة    المالية: التحول الاقتصادي بإفريقيا يتطلب جهودا مضاعفة لدفع حركة النمو والتنمية    قمة برشلونة ضد البايرن الأبرز.. مواعيد مباريات اليوم الأربعاء    الأمم المتحدة تحذر من تفاقم الأزمة الإنسانية في السودان وتدعو لوقف القتال    نشرة مرور "الفجر".. انتظام حركة المرور بشوارع القاهرة والجيزة    بعد صعودها 1.5%.. التوترات السياسية تجبر أسعار النفط على التراجع    وزيرة التضامن تدعو عددًا من المسنين لحضور حفل هاني شاكر بمهرجان الموسيقى العربية    فريق طبي بجامعة أسيوط ينقذ فتاة من جلطة حادة مفاجئة بالشريان الرئوي    تداول 19 ألف طن بضائع عامة ومتنوعة و550 شاحنة بموانئ البحر الأحمر    حريق بمصنع مواسير بلاستيك في الدقهلية دون خسائر بالأرواح    «التضامن» تقر توفيق أوضاع جمعيتين بمحافظة كفر الشيخ    محافظ الغربية يكرم بسملة أبو النني الفائزة بذهبية بطولة العالم في الكاراتيه    وزير الخارجية الأمريكى: نرفض تماما إعادة احتلال إسرائيل لقطاع غزة    "وقولوا للناس حسنا".. الأوقاف تحدد موضوع خطبة الجمعة عن القول الحسن    بعد مقترح النائب محمد أبو العينين| خبير: خطوة نحو ربط التعليم بسوق العمل    ارتفاع حالات الإصابة بعدوى بكتيريا آكلة اللحوم في فلوريدا بعد موجة الأعاصير    تعاون مصري قبرصي لتعزيز الشراكات الصحية وتبادل الخبرات    رئيس فاكسيرا: توطين صناعة لقاح شلل الأطفال بالسوق المحلي بداية من 2025    كيف انشق القمر لسيدنا محمد؟.. معجزة يكشف جوانبها علي جمعة    "عبد الغفار" يُدير جلسة حوارية حول تعزيز حقوق الصحة الإنجابية وديناميكيات السكان    في زيارة مفاجئة.. وزير التعليم يتفقد 3 مدارس بإدارة المطرية التعليمية    وزيرة التنمية المحلية: زراعة 80 مليون شجرة بالمحافظات حتى 2029    إصابة عامل بطلق نارى أثناء عبثه بسلاح غير مرخص بالمنشاه سوهاج    عمرك ما ترى حقد من «الحوت» أو خذلان من «الجوزاء».. تعرف على مستحيلات الأبراج    زعيم كوريا الشمالية يطالب بتعزيز الردع في مواجهة التهديدات النووية    عاوزين تخلوها صفر ليه، تعليق ناري من خالد النبوي على هدم قبة حليم باشا التاريخية    تعرف علي مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 23-10-2024 في محافظة البحيرة    نشرة المرأة والمنوعات.. فواكه تخلصك من رائحة الفم الكريهة.. سعر فستان هنا الزاهد في إسبانيا    عبد الرحيم حسن: شخصيتي في «فارس بلا جواد» كان «بصمة» في حياتي    أحمد عادل: لا يجوز مقارنة كولر مع جوزيه.. وطرق اللعب كانت تمنح اللاعبين حرية كبيرة    خبير يكشف موقف توربينات سد النهضة من التشغيل    يسرا تدير الجلسة الحوارية لإسعاد يونس في مهرجان الجونة    حسام المندوه يكشف سبب تأخر بيان الزمالك بشأن أزمة الثلاثي |تفاصيل    إذا كان دخول الجنة برحمة الله فلماذا العمل والعبادة؟ أمين الفتوى يجيب    بركات يوم الجمعة وكيفية استغلالها بالدعاء والعبادات    دوللي شاهين تطرح برومو أغنية «أنا الحاجة الحلوة».. فيديو    البطريرك يلتقي عددًا من الآباء الكهنة والراهبات في روما    ملخص أهداف مباراة ريال مدريد ضد بروسيا دورتموند في دوري أبطال أوروبا    رئيس جامعة الأزهر يتابع أعمال التطوير المستمر في المدن الجامعية    أرسنال يعود لسكة الانتصارات بفوز صعب على شاختار دونيتسك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دراما بن لادن
عبدالحليم قنديل يكتب:
نشر في صوت الأمة يوم 08 - 05 - 2011

كان موته كحياته، دراما هائلة، روايات متضاربة، دم كثير، وأساطير بلا نهاية.
ابن الأغنياء الذي كانت ترشحه ظروفه لسيرة حياة أخري، ولد وفي فمه ملعقة ذهب، ولد مليونيرا، وابنا لمليادير، وكانت عائلته علي علاقة قربي مع العائلة السعودية المالكة، ثم انتهي إلي الضد بالضبط، أنفق ماله كله لله، وبالطريقة التي اهتدي إليها تفكيره، واختار حياة التقشف، وصار رفيقا للجبال والكهوف، وصديقا لغربة رحلت به إلي أقاصي الأرض، تطارده الدنيا كلها، وتسقط عنه جنسيته السعودية، ويصبح مواطنا عالميا، هويته هي اسمه، وسيرته تمضي كالأساطير، مليارات من البشر يحبونه، ومليارات أخري تكرهه.
اختلف مع تنظيم القاعدة كما شئت، وكاتب السطور يختلف بشدة، ولا يري من أثر إيجابي لمئات فوق مئات من عمليات العنف العشوائي، وبما قد لا يخدم بالتأكيد قضية الإسلام ولا قضية المسلمين، لكن الخلاف شئ، والاعتراف بالحقيقة الإنسانية الفريدة لزعيم التنظيم أسامة بن لادن شئ آخر، فقد هجر الرجل متاع الدنيا وما حملت، وهاجر إلي اختياره، وصار مزيجا من البساطة والتصميم في آن، وفي آلاف الشرائط والصور التي ظهر فيها، يبدو الرجل بلباسه الصحراوي البسيط، جلباب أبيض، وسترة عسكرية مرقطة، وجراب من طلقات الرصاص، وبندقية علي كتفه أحيانا، وفي صوته هدوء سابغ، وملامحه تنطق بالرضا، وعينه النافذة كصقر توحي بإيمان جارف، سبيكة إنسانية لفرد ممتاز حقا، ومن هؤلاء الذين يصنعون التاريخ بامتياز، قد تقول أنه هدم ولم يصنع، وقد يكون لرأيك وجاهة بمنطق ما، لكن بن لادن يظل ملهما لأجيال وراء أجيال، هد اليأس حيلها في بؤس عالم إسلامي واسع، يحكمه رجال بلا ذمة وبلا دين، ينهبون ويقتلون ويخونون، ويتركون بلادهم لقمة سائغة لطمع الغرب ووحشيته، ويتعاملون مع أمريكا علي أنها الرب المعبود، ويشدون رحال الحج عمليا إلي البيت الأبيض، وليس إلي الحجر الأسود في كعبة مكة.
بن لادن ابن المفارقة الصارخة التي جعلتنا مسلمين بلا إسلام حقيقي، وجعلت أغلب أهلنا أذلة، وجعلت بلادنا مزارع مفضلة لمطامع الأقوياء، وجعلتنا ضعفاء رغم قوة الإسلام، ونبل رسالته الهادية، وعظيم تأثيره في النفس الإنسانية، وفي عمارة الكون تعبدا لله الخالق سبحانه، ومن قلب المفارقة بين حالنا وديننا، ولدت أسطورة بن لادن، ترك الرجل نعيمه الشخصي، وذهب لملاقاة الخطر، ليس كدرويش، ولكن كمقاتل، ترك صفقات التجارة، وذهب إلي صفقات السلاح، استفزه الاحتلال السوفييتي لأفغانستان، ولم يجد حرجا في التعامل مع الأمريكيين، ولا مع أجهزة مخابراتهم، ولا في تعلم دروس الجهاد الأولي من الشيخ عبد الله عزام وغيره، وخرج كالشعرة من العجينة، وألف كتائبه الخاصة جدا، وحول معسكرات التدريب إلي "القاعدة" التي عرف بها اسم تنظيمه فيما بعد، لم تكن قوة الانجذاب إليه في سعة ماله فقط، ولا في فوائض إنفاقه في سبيل ما يؤمن به، وعن طيب خاطر، يزهد الدنيا وما فيها، لم يكن يهرب من الدنيا، بل يتطلع إلي دنيا إسلامية خالصة بحسب فهمه، دنيا جعلته يخاصم الأمريكيين الذين صادقهم في حرب تحرير أفغانستان، ويعي العصر وعلومه، ويدرب أجيالا من العرب الأفغان علي حرب كونية، غير مسبوقة، جعلته زعيما لمعسكر "الإرهاب" بلغة المجتمع الدولي المنافق، وجعلته خصما لمعسكر الشر الذي يقوده سيد البيت الأبيض.
كانت جغرافيا الدنيا كلها دارا لحربه، ووصلت حربه إلي الذروة بهجمات سبتمبر 2001، والتي مثلت أول اختراق لحصانة القلعة الأمريكية منذ هجمات "بيرل هاربور" اليابانية في نهايات الحرب العالمية الثانية، وبرغم وجود تقاسير أخري للهجوم العاصف، إلا أن كاتب السطور يعتقد يقينا بما قاله بن لادن، والذي اعترف بمسئوليته الشخصية عن تدبير وتنفيذ الهجوم، فقد ربي الرجل أجيالا علي صنعة اختراق المستحيل.
ولم يكن للرجل أن يلقي نهاية أفضل مما جرت عليه، فقد عاش كأسطورة ومات كأسطورة، وفشلت أمريكا في أن تعرف مكانه لأكثر من عشر سنوات، وهو الذي كان يتحرك تحت ظل سلاحها، ويتنقل بثقة من كهف إلي آخر، ومن قصر إلي آخر، لا يقيم وزنا لحدود دول، وينتظر الشهادة في أي وقت، وقد لقيها بخيانة واحد من أعوانه، وفي عملية كوماندوز أمريكية لم تتكشف كل أسرارها، وربما لايكون من معني لتساؤلات أثيرت، وربما ستظل تثار لوقت طويل مقبل، ومن نوع التقييم الأخلاقي والقانوني لعملية اغتياله، فحين تكون أمريكا حاضرة في موضوع، فلا معني لسؤال عن قانون أو أخلاق، فكل هذه المعاني مجرد " مناديل كلينيكس " عند الأمريكيين، وللأمريكيين أخلاق القتلة المحترفين، فقد قتل الأمريكيون ملايين من الناس بدم بارد، وأرعبهم أن يقتل منهم الآلاف في هجمات سبتمبر، وهنا جوهر المفارقة التي صنعت أسطورة ابن لادن، فقد رأي ابن لادن - كما علمه دينه - أن الناس سواسية كأسنان المشط، وأن العين بالعين والسن بالسن، وقد بدأت أمريكا القتل، وهي الأظلم حتي لو ركبت أعلي ما في خيلها وحاملات طائراتها.
وحين قتلت أمريكا ابن لادن، فقد كانت تخافه، أطلقوا عليه النار وهو الأعزل من سلاحه، أطلقوا عليه الرصاصة الأخيرة فوهبوه جائزة الشهادة، سكت نبض الرجل، وتوقف قلبه، لكن لم يتوقف خوف الأمريكيين منه، وبدا فرحهم الوحشي بمقتله هلعا حقيقيا من سيرته، وأقدموا علي جريمة إضافية تليق بوحشية الأمريكيين، وألقوا بجثة الرجل في البحر، وحتي لا يكون قبره علي البر مزارا لمحبيه، فهم يخافونه حيا وميتا.
ومن المؤكد أن تنظيم القاعدة لن يموت مع ابن لادن، ربما لأن التنظيم لم يكن تنظيما من الأصل، بل نزعة سرت في نفوس شباب الظاهرة الإسلامية الراديكالية، واجتمعت عليها تنظيمات صغيرة وكبيرة تنشأ هنا أو هناك، وتقع في أسر هوي الشيخ، وتقتدي بسيرته الملهمة، وإن بدا في سلوكها العنيف نشوزا ظاهرا عن خط ابن لادن، فقد كان الرجل عدوا ظاهرا لطغيان أمريكا ومصالحها الكونية، ورد علي الإرهاب الأمريكي بإرهاب مقابل، فيما لم تكن حماسته ظاهرة - بذات القدر - لعمليات إرهاب عشوائي، يسقط فيها عرب ومسلمون، ويتحول فيها القتل إلي حرفة بذاتها، وتنعدم فيها فرص الرؤية الصحيحة، ومن نوع عمليات تدور في مشرق عالمنا العربي ومغاربه، لا تغير نظما، ولا تهدم باطلا، بل


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.