· مجرد سؤال.. هل «سوسة» الفساد طالت البعض من قضاة مصر؟ فعلا العدل معني جليل.. تطمئن إليه النفوس وترتاح إليه الأفئدة وتنطلق به ملكات الإنسان الآمن علي نفسه وعرضه وماله.. فيبدع وينتج ويسهم في حل المشكلات التي تعوق مسيرة أمنه.. وبالعدل وحده تصان القيم وتستقر المبادئ ويتضاعف شعور المواطن بالانتماء لوطنه ويعلو بناء الإنسان وتلك غاية الغايات وقمة الأهداف لأي مجتمع متحضر ينشد حاضرا أكثر أمنا واستقرارا ويستهدف مستقبلا أكثر رفعة وازدهارا. والعدل واحد من أغلي وأسمي مقومات الحياة ومن أقوي وأرسخ دعائمها.. وشعور المواطن بأن العدل قريب منه ومُيسر له.. تخلو طريقه إليه من الموانع والعوائق.. يمنحه الأحساس بالراحة والأمان.. مما يجعله إلي تحقيق غاياته أقرب وأدني وعلي القيام بدوره في بناء مجتمعه أقدر وأسمي.. هكذا يؤكد الفقيه الأستاذ الدكتور محمد كامل عبيد في دراسة مقارنة عن استقلال القضاء ومؤكدا بأنه لا مجال للاسترابة في أن القاضي هو الركيزة الأساسية التي تقوم عليها خدمة العدالة في أي نظام قضائي ناجح ولا ريب في أن ضمان تحقيق العدالة يتوقف أساسا علي حسن وسلامة ودقة اختيار من يتولي القضاء ولاشك في أن أسلوب اختيار القضاة يعد من أبواب التأثير في القضاء كسلطة وفي القضاة أيضا كأعضاء في هذه السلطة، فإذا ما تُركت عملية الاختيار للأهواء والمؤثرات تسرب إلي رحاب العدالة غير الأكفاء الذين لا يقدرون خطورة الرسالة وثقل الأمانة وتبعات المسئولية وليس شيء أضر بالعدالة من أن يقوم عليها من لا يدرك كنهها أو لا يشعر بقدسيتها!!، ولكن ما رأيكم في مضمون مذكرة تلقيتها تتعلق بشأن حالات الاستقالة الجبرية لعدد من القضاة واقصائهم من القضاء بالطريق الإداري ودون محاكمات عادلة!، من الطبيعي أن تكون هناك حالات تستحق الاقصاء إذا ما تأكد مخالفتها للضمير القضائي وتجنيها علي الحق واصدارها الأحكام بالباطل.. المذكرة خاصة بعدد كبير من القضاة الذين تم اقصاؤهم دون اتخاذ الإجراءات القانونية التأديبية حيالهم من خلال الضمانات الدستورية والقانونية واجبارهم علي الاستقالة أثناء التحقيقات معهم في بعض الشكاوي. يقول القضاة المضارون أنه تم الاكراه وبث الرهبة في نفوسهم دون حق وكانت تلك الرهبة وذلك الخوف قائمين علي أساس إن كانت «ظروف» الحال تصور لهم أن خطرا جسيما محدقا يهددهم وذلك بحسب ما صوره لهم المختصون بفحص الشكاوي بالتفتيش القضائي وحددوا اسم معالي المستشار «كمال سعودي» وعلي حد تعبيرهم بأنه استخدم الإكراه والتهديد ووسائل ضغط لا قبل لهم باحتمالها أو التخلص منها فحملهم علي الاقرار بقبول ما لم يكن ليقبلوه اختيارا.. وأرجو أن لا يكون هذا الكلام صحيحا لأنني احترم واقدس نزاهة القضاة.. ويضيفوا في مذكرتهم أن المستشار «سعودي» تمكن بعمل غير مسبوق من اقصاء عدد كبير جدا من القضاة عن عملهم في فترة وجيزة لم يشهد القضاء طوال تاريخه مثل هذا الزخم من الاقصاء وكأنها مذبحة أخري للقضاة لتكميم الأفواه وتقويض القضاء انتقاما لما كشفوه من وقائع تزوير وفضائح استخدام البلطجية في انتخابات مجلس الشعب 2005 وبالدرجة أن بعض المذكرات التي سبق وقدمت لنادي القضاة أوضحت عن اتخاذ بعض من هؤلاء «القضاة» المستبعدين إداريا مواقف واضحة خلال تلك الانتخابات تؤكد وضعهم في دائرة الغضب من النظام الذي سقط!! ويشير القضاة المستبعدون أن ثورة 25 يناير خلفت من ورائها تأكيد تمتع الإنسان المصري بوجه عام بقيمته المطلقة فإنه من باب أولي أن يكون كذلك القضاة ويتعين أن يتوقف هذا النزيف الجارف لقضاة مصر باقصائهم من عملهم بهذا الطريق الإداري الذي يخلو من الضمانات الدستورية والقانونية بوضع القاضي تحت سلطان رهبة حقيقية لا يقوي علي تحملها وتجعله يقدم علي الاستقالة جبرا ودون إرادة حقيقية باعتزال «الوظيفة» التي طالما افتخر بها وتشرف بالانتماء إليها، ويجب أن لا تنتزع منه إلا «بثبوت» عدم صلاحيته من خلال الضمانات الدستورية والقانونية حفاظا علي تلك الثروة القضائية التي هي حق من حقوق الشعب. والقضاة المضارون خلصت مطالبهم بضرورة اعادة النظر وسحب أو إلغاء القرارات الوزارية الصادرة بشأن قبول استقالتهم الجبرية بحسب الأحوال وهو حق مكفول باعتباره قرارا إداريا يكون عرضه للسحب خلال 60 يوما من أصداره أو يلغي إذا ما جاوز تلك المدة.. ويطالب القضاة المضارون أيضا بالتحقيق مع المستشار الدكتور «كمال سعودي» رئيس محكمة الاستئناف ورئيس مكتب الشكاوي بالتفتيش القضائي فيما هو منسوب إليه من وقائع الاكراه وعدم العرض الصريح وتهيئة الظروف ووسائل الضغط علي هؤلاء القضاة وبث الرهبة في نفوسهم ليحملهم علي قبول ما لم يكن ليقبلوه اختياريا بغرض اقصائهم عن عملهم وهي صور صارخة لعدم احترام القوانين التي تلزمه بمجانبة تلك الصفقات وهي إحدي صلاحيات القاضي وأضافوا أن المستشار «سعودي» ارتكب ما يعد خروجا علي مقتضيات الواجب الوظيفي وما تحتمه عليه وظيفته القضائية والقسم الذي اقسمه بأن يحكم بين الناس بالعدل وبأن يحترم القوانين.. طبعا من حق المستشار «سعودي» الرد والتعقيب لأنني لست طرفا في الخصومة ولكنني أعرض مضمون مذكرة قضائية تشكوه.. مذكرة استغاثة واستنجاد بعد أن «مل» القضاة من الطرق علي الأبواب.. هم يطالبون أيضا بالعمل علي تعديل المادة 70 من قانون السلطة القضائية بعدم قبول استقالة القاضي إلا بعد مرور فترة 30 يوما من تاريخ تقديمها دون سحبها وذلك لتفويت الفرصة علي كل من يضع القاضي تحت ضغوط ورهبة لا يحتملها ولتأكيد الضمانة الدستورية باستقلال القضاء وليكن السبيل الوحيد لتركهم الوظيفة هي المحاكمة العادلة.. وأيضا يصر القضاة «المضارون» علي تعديل قانون السلطة القضائية بما يضمن ضرورة حضور أحد أعضاء مجلس إدارة نادي القضاة جلسات التحقيق مع أي من القضاة في شكاوي تقدم ضدهم!! أخيرا اتذكر ما سبق وأكده المستشار زكريا عبدالعزيز رئيس نادي قضاة مصر السابق والذي سبق واقترح بألا تزيد مدة رئاسة النادي علي دورتين في آخر دورة له ووجه رسالة لقضاة «مصر» يوم 25 نوفمبر 2008 ختمها بقوله حفظ الله «مصر» وحفظ «قضاتها» ووقاهم «شح» الأنفس وهوس التعلق بالمراكز والمناصب وفتنة إعجاب المرء بنفسه والاستعلاء علي غيره وفتنه طاعة القوم لمن يستخف به.. ولابد أن أقول وطبقا لما أكدته الدراسة المقارنة للفقيه الدكتور «محمد كامل عبيد» بأن طبيعة رسالة القضاء تفرض علي القضاة التسامي عند نظر المنازعات فوق المتخاصمين والتمتع بحرية الحكم دون خوف أو ترهيب ودون إغراء أو ترغيب مع التجرد من شوائب الهوي والغرض أو حتي مجرد الرأي المسبق واستيعاب الخصومات بحرية مطلقة لا يقيدهم في ذلك قيد ثم اشهار كلمة الحق دون انحياز! وهناك أيضا حقيقة تاريخية مؤكدة وهي أن المصريين القدماء هم أول من توصلوا إلي ضرورة استقلال القضاء والقضاة وصاغوا العديد من النصوص لتأكيده وكان علي القضاة في مصر الفرعونية قبل أن يتسلموا مهام مناصبهم أن يقسموا يمينا أمام الملك بعدم اطاعة أوامره لو أنه طلب منهم يوما ما يخالف العدالة!، وتظهر رسومهم بلا أيدي للاشارة إلي نزاهة أيديهم وبأعين تتجه إلي أسفل للاشارة إلي أنهم مما كانوا يحفلون بأي انسان أو بأي شيء.. بل كان من وصايا تحتمس الثالث لقضاته: أفعل كل شيء بالمطابقة للقانون والحق فإنه مما يغضب الآلهة أن تنحاز لأحد الأطراف.. وأن تصرفاتك تجاه الجميع بميزان المساواة.. عموما ليس من حق أحد أيا كان موقعه وأيا كان قدره أن ينتزع من القاضي سلطته، أو أن يجلس في مقعده أو أن يفتئت علي كلمته أو أن يصدر حكما بالإدانة أو البراءة وفق ما شاء له الهوي!