اعتدنا في نشرات الأخبار المصرية أن تخرج علينا المذيعة قائلة: بحث الزعيمان العلاقات الثنائية بين البلدين، جملة تقليدية نسمعها عقب كل لقاء للرئيس المصري مع أي رئيس دولة عربية أو أجنبية دون أن نعرف الموضوعات والقضايا والأزمات والمشاكل التي بحثها الرئيسان، نعلم أن هناك أسراراً يجب اخفاؤها تصل إلي 60% من المعلومات أو 70% أو حتي 95%.. أعطونا فقط 5% من المعلومات.. هذا هو ما نحلم به.. أما أن تغلقوا كل الأبواب والنوافذ بهذه الجملة التقليدية الغبية المستهزئة بعقول الناس وحقهم في المعرفة، فهذا لم يعد مقبولاً الآن خاصة بعد إعصار «ويكيليكس» الذي حطم كل الأبواب والنوافذ وفضح ما يدور في الغرف المغلقة للمسئولين والسياسيين وحولها إلي صالونات مفتوحة أو ساحات شعبية متاحة للجميع. سنكون أمام نكتة سخيفة وفضيحة طريفة لو خرجت علينا الآن مذيعة نشرة الأخبار المصرية لتردد نفس العبارة المملة: بحث الرئيسان العلاقات الثنائية، لا يهمني إن كان تسريب المستندات والوثائق المتعلقة باللقاءات السرية للمسئولين إلي موقع ويكيليكس مؤامرة إسرائيلية أم مهارة إعلامية من صاحب الموقع.. الذي يهمني أن إعصار المعلومات والوثائق اجتاح العالم ولم يعد مسموحاً أو مقبولاً أن نتخلف عنه أو نتجاهله وإلا عصف بنا.. دعانا مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء الذي يرأسه الدكتور ماجد عثمان إلي ندوة مهمة «الإعلام بعد ويكيليكس» أشرفت عليها دينامو المركز الدكتورة نعايم سعد زغلول وأدارها المهندس أسامة الشيخ رئيس اتحاد الإذاعة والتليفزيون وتحدث فيها الزميلان الإعلامي أحمد المسلماني والإعلامي خالد صلاح رئيس تحرير اليوم السابع... كانت وجهة نظري أننا يجب أن نستغل ظاهرة ويكيليكس ونستثمر طوفان المعلومات والوثائق للضغط من أجل اجبار السلطة في مصر علي إقرار قانون جيد لتداول المعلومات والوثائق.. من حق الصحفيين والإعلاميين الحصول علي المعلومات والمستندات من المؤسسات الحكومية المختلفة لأنها من حق المواطن ويجب حساب وعقاب المسئول أو الوزير الذي يتعمد اخفاء المعلومات.. إن معظم إن لم يكن كل الوزراء والمسئولين يخفون المعلومات لأنهم يخشون علي مناصبهم ولا يريدون أن تهتز مقاعدهم.. المعلومات مثل الهواء النقي الذي يدخل إلي الغرفة فيطرد الهواء الفاسد... أقصد الوزير الفاسد.. في اعتقادي أن ويكيليكس ستؤدي إلي انهيار الدبلوماسية ولكنها في المقابل ستؤدي إلي انتعاش الإعلام والصحافة لماذا؟.. تسريب ما يحدث في اللقاءات السرية بين الرؤساء والوزراء وكبار المسئولين والدبلوماسيين سيؤدي إلي إثارة الخوف والفزع في الدوائر السياسية والدبلوماسية.. قبل ويكيليكس كان المسئولون والدبلوماسيون العرب «مثلا» يتحدثون باستفاضة مع المسئولين الأمريكيين والأوروبيين.. ففي الغرف المغلقة يمكن للسياسي أن يقول كلاماً لا يقوله في العلن فالدبلوماسية دائما تقترن بالسرية... بعد ويكيليكس سيتحسس كل رئيس ووزير ومسئول ودبلوماسي كلامه مع المسئولين الأمريكيين والإسرائيليين والأوروبيين وقد يكتفي بالابتسامة وإذا تحدث معه الدبلوماسي الأمريكي في قضية شائكة قد يغير الموضوع قائلا: الجو جميل.. نعم.. ظاهرة ويكيليكس أدت إلي فزع دبلوماسي وفرح إعلامي، فزع الدبلوماسيون وابتهج الإعلاميون لأننا نحلم بأن تمطر السماء علينا وثائق ومستندات.. يوم الأحد الماضي جلست علي مائدة السفراء العرب بالقاهرة في احتفال السفارة القطرية... في مثل هذه المناسبات يتندر السفراء بإطلاق النكات والخروج علي التقاليد الدبلوماسية الجامدة والمنغلقة... وكلما أطلق أحد السفراء نكتة يعقب قائلا: أنا خايف هذه الجلسة تتسرب إلي ويكيليكس. في مصر يتم إخفاء المعلومات تحت حجج واهية وشعارات زائفة وشماعات عفا عليها الزمن مثل مقتضيات الأمن القومي وسمعة مصر وأمن وسلامة البلاد وقيم المجتمع.. ويكيليكس أنهي هذه الشعارات والشماعات، فبعض ما يدور في الغرف المغلقة ظهر دون انتظار 50 عاما أو أكثر بعض ما يهمس به السياسيون افتضح وهم أحياء دون انتظار موتهم ولم تنقلب الدنيا رأسا علي عقب ولم يتهدد الأمن القومي لهذه الدولة أو تلك. علينا أن نضغط للحصول علي المعلومات والمستندات والوثائق فنحن الآن في عصر ويكيليكس نريد قانونا يضمن لنا تدفق المعلومات وتداول المستندات.. في نهاية ندوة مركز المعلومات بمجلس الوزراء قلت إنه منذ عدة سنوات أفتي أحد أساتذتنا الذي نختلف معه سياسيا ولكننا نتفق معه مهنيا وهو الأستاذ مصطفي أمين بأنه من حق الصحفي أن يسرق المستندات من أي مكان إذا كان ذلك سيخدم المجتمع.. أي أنه من حق الصحفي أن يتسلق المواسير ويتسلل إلي أي جهة حكومية ويسطو علي المستندات والوثائق لأنها ملك للمواطن الذي له الحق الكامل في المعرفة.. وقلت: بعد ويكيليكس.. يجب إعادة الاعتبار لفتوي مصطفي أمين. نعم.. سرقة الوثائق والمستندات لخدمة المجتمع مشروعة إذا لم نحصل عليها بقانون جيد لتداول المعلومات.