في حواره مع «صوت الأمة» في العدد السابق قال فاروق حسني- وزير الثقافة - إن ما نقرأه في الصحف هو مضبوطات أثرية وليست سرقات للآثار، رغم أن ما تنشره الصحف في معظمه سرقات للآثار لأنها خرجت ولم تعد وآخرها سرقة «حشوات» ستة مقابر أثرية من منطقة المعز والتي يقول عنها الوزير إنه يكفيه فخرا ما فعله بها! وسرقة مقبرة كاملة في سيناء أبلغ عنها الحارس دون جدوي وغيرها وغيرها، ولكن حتي ما يتم ضبطه من آثار تتعرض لتدخل أصحاب النفوذ والمهربة لصالحهم للإفراج عنها وهو ما يتكرر بالفعل، وآخر نموذج حدث منذ أيام معدودة بالإفراج عن «30» قطعة أثرية نادرة بعد أن ضبطتها وحدة المضبوطات الأثرية بمطار القاهرة، وتبين أنها تخص مسئولة في الآثار وزوجها الذي يعمل ضابطا. وعلي جانب آخر تم إيقاف نقل مجموعة فلكية أثرية نادرة ومرصعة بالفيروز من مضبوطات المطار إلي متحف الفن الإسلامي، كما طالبت لجنة الآثار ويحاول صاحبها جاهدا الإفراج عنها بطلب تشكيل لجان متتالية لعل إحداها تشير إلي عدم أثريتها أو تخضع وتستجيب للضغوط! هذه الوقائع وغيرها نعرض لها بالصور والمستندات، مع تقديرنا لحوار وتصريحات الوزير! الواقعة الأولي التي نعرض لها ترجع إلي ضبط إدارة الجمارك بمطار القاهرة بتاريخ 14/2/2009 ل 30 قطعة آثار نادرة تضم 10 تماثيل وستة أباريق نحاسية وقنينتين ومبخرة وشكمجية وعشرة أواني مختلفة من النحاس والفضة وكلها من تعداد الآثار.. ومن بين تلك الآثار المضبوطة إبريق رائع مصنوع من النحاس وعليه زخارف نباتية رائعة ومكتوب عليه «وجعلنا من الماء كل شيء حي.. وعز لمولانا السلطان قلاوون» ومبخرة رائعة من الفضة ولها قاعدة مستديرة «حوالي 32 سم» ترتكز علي ثلاث أرجل وعليها زخارف نباتية وهندسية وإبريق من الفضة يقرأ عليه «سليم الأول» من الجهتين وإبريق من النحاس عليه كتابة بسم الله الرحمن الرحيم ويقرأ من أعلي لفظ الجلالة الله.. وتمثال نادر لمحمد علي وهو يشرب «الشيشة» ومصنوع من النحاس ويمثل عصره، وتمثال آخر من النحاس لطفل يصفق وتماثل آخر علي شكل طاووس مصنوع بدقة متناهية وغيرها من الآثار النادرة والتي أكدت أثريتها اللجنة التي تشكلت من الوحدة الأثرية بمطار القاهرة، وضمت كلا من عادل عبدالحليم محمود - مدير الوحدة الآثرية - بمطار القاهرة «مبني الركاب 1» ومحمد إبراهيم الساكت مدير الوحدة الأثرية «مبني الركاب 2» ومفتشي الآثار عمر محمد أحمد وعلاء الدين سعد حماد، إضافة إلي تامر سمير مأمور الجمارك بقرية البضائع، وذكرت اللجنة في تقريرها أن جميع ما تم ضبطه وذكره يخضع للقانون رقم 117 لسنة 1983«قانون حماية الآثار» ويجب أن يصادر لصالح المجلس الأعلي للآثار وبدلا من مصادرة الآثار المضبوطة خاصة مع وضوح أثريتها وأن بعضها يخص بشكل واضح السلطان قلاوون والعصور الإسلامية والبعض الآخر يخص أسرة محمد علي ونجحت الضغوط في تشكيل لجنة أخري للمعاينة وهو أمر لا يتكرر في المضبوطات الآثرية إلا في أحوال معينة! وتبين أن الآثار المضبوطة تخص مسئولة بالآثار وزوجها الضابط وادعيا أن الآثار المضبوطة قطع تم تصنيعها حديثا وأن مثلها يباع في سوق الجمعة بالسيدة عائشة.. وانتهي تقرير اللجنة الجديدة والتي ضمت ماجدة يوسف ومصطفي خالد وطارق أحمد إلي عدم أثرية المضبوطات وبالتالي الإفراج عنها لتسافر إلي الخارج. بالطبع سوف يجئ الدفاع عن اللجنة الجديدة بأنها تضم أثريين خاصة من المتحف الإسلامي حيث أن المضبوطات من الآثار الإسلامية، ولكن هذا بدوره يطرح التساؤلات، ومنها هل في كل المضبوطات الأثرية يتم إعادة تشكيل لجان جديدة أم أنه استجابة للضغوط؟ ولماذا لم تقم اللجنة الجديدة بمواجهة اللجنة الأولي والتي تضم خبراء في معرفة الآثار الحقيقية من الآثار المقلدة بحكم موقعهم في المطار وخبرتهم المطلوبة في هذا المجال وتعرضهم لمثل هذه المضبوطات بشكل متكرر؟ ولماذا لم يتم تشكيل لجنة محايدة من أساتذة كليات الآثار خاصة أن العاملين في الآثار التي تشكلت منهم اللجنة قد يكونون أصدقاء لمسئولة الآثار التي تخصها الآثار المضبوطة وربما يكونون من ذات دفعتها في الكلية وغيرها من المواضع التي تضعهم في حرج وتجعل شهادتهم - حتي مع الثقة فيهم - مجروحة؟! ولذا نطالب بلجنة محايدة من أساتذة الآثار الإسلامية لتقييم هذه المضبوطات وإن كنا نعرف استحالة عودتها لأنها كانت في طريقها للخارج، ولعلها الآن معروضة في حوزة الأمراء المشترين، ولا عجب ففي قطر والكويت والإمارات وغيرها متاحف كاملة للآثار الإسلامية التي كانت موجودة في مصر. الواقعة الثانية ترجع لضبط وحدة الآثار بمطار القاهرة برئاسة أحمد الراوي وعضوية الأثري عمر محمد أحمد وآخرين لساعة نادرة بارتفاع 120 سم، يعلوها تمثال وعلي جانبيها تمثالان وأسفلها صورة ويبدو أنها كانت هدية تذكارية مهداة إلي الخديو إسماعيل بمناسبة افتتاح قناة السويس كما تم ضبط مفتاح ينسب للخليفة الفاطمي المستنصر «524 ه» والمفتاح من النحاس الخالص وللحق لم يتم ضبط الباب!، وكذلك ضبط بيانو عليه نجمة داود «!».. وكانت هذه المضبوطات في طريقها إلي رجال أعمال في السعودية ومصدرة بمعرفة مستخلصي جمارك . ونجحت الضغوط في تشكيل لجنة جديدة وتم الإفراج عن الآثار رغم أن الساعة المضبوطة تنطق وترن بأثريتها! وأنه حتي لو لم يمر مائة عام علي أثرية هذه القطع في النماذج التي ذكرناها فإنها تخضع للقرار الجمهوري رقم 14 لسنة 1970 والخاص بالممتلكات الثقافية والاتفاقيات الموقعة مع اليونسكو أي بمثابة مكمل لقانون حماية الآثار! ومن المضبوطات الآثرية المثيرة والتي تجري الضغوط للإفراج عنها تم ضبط مجموعة فلكية تخص خالد المنياوي - حسب الاسم الموجود بالمستندات - وهي مجموعة فلكية لا يوجد مثلها في متحف الفن الإسلامي بمصر، والذي يضم أكثر من 80 ألف قطعة أثرية ويضم المتحف الإسلامي من المجموعات الفلكية «اسطرلاب» بسيط رغم ما هو معروف عن تقدم المسلمين في علوم الفلك، وهو ما يعني أن المجموعة الفلكية التي تم ضبطها والتي تضم أكثر من اسطرلاب - تعادل أجمل الآثار النادرة بالمتحف وأنها لا تقل أهمية وقيمة عن آثار مثل إبريق مروان بن محمد والذي يعود إلي عام 132 هجرية وغيره من الآثار النادرة، فضلا عن أنها تسد عجزا واضحا في الآثار الفلكية. ويأتي التخوف علي المجموعة الفلكية المضبوطة من نفوذ مطالبات صاحبها المتعددة بتشكيل لجان رغم تأكيد اللجان المتتالية علي أثرية المضبوطات.. وبالطبع يخشي الغيورون علي الآثار من مجاملة إحدي اللجان، كما يخشون من تلف المضبوطات الآثرية بسبب طول مدة ركنها في مخازن المطار وقرية البضائع وهي غير مجهزة وغير مؤهلة للحفاظ علي الآثار رغم أن الآثار المذكورة تم ضبطها منذ أكثر من أربع سنوات كاملة دون أن يتمكن المجلس الأعلي للاثار من حسم نقلها للمتحف الإسلامي! المستندات التي تحت أيدينا تتضمن محضر معاينة للوحدة الأثرية بمطار القاهرة جاء فيه: بناء علي خطاب جمرك «D.H.L» تشكلت لجنة من الوحدة الأثرية بالمطار تضم كلا من : عماد أنور صادق وإيمان عباس حامد وعمر محمد أحمد، وبالمعاينة اتضح أن المشمول المضبوط عبارة عن «ترابيزة» من النحاس عليها رسومات فلكية و«اسطرلاب» مدونا عليه تاريخ 1589م وتري اللجنة عرض المشمول علي لجنة عليا من الوحدة الأثرية لأهميتها. وبالفعل تم تشكيل لجنة أثرية «ثانية» تضم كل من: حسن رسمي - مدير عام إدارة المنافذ الآثرية - وعادل عبدالرحمن - مدير الوحدة الأثرية - ومحمد الساكت - كبير مفتشي الآثار الإسلامية - ومحمود محمد عامر - كبير مفتشي الآثار الإسلامية. وجاء في تفاصيل المحضر والخاص بمشمول الشهادة الجمركية رقم 661 «1 00 2 - 2005» أن اللجنة عاينت خمس قطع من النحاس ووصف الاسطرلاب والقطع المضبوطة.. وانتهت اللجنة إلي الرأي بخضوعها لقانون حماية الآثار رقم 117 لسنة 19813 . ورغم ذلك طالب صاحب «الصفقة» بتشكيل لجنة ثالثة.. وجاء في الخطاب الموجه من مكتب د. زاهي حواس - الأمين العام للمجلس الأعلي للآثار إلي اللواء مدير الإدارة العامة لشرطة ميناء القاهرة الجوي. وعاينت اللجنة بمعاينة المضبوطات المكونة من خمس قطع فلكية مرصعة بفصوص الفيروز ومزينة بزخارف رائعة نباتية وهندسية وعبارات سحرية.. وانتهي الفحص إلي أن القطع المضبوطة أثرية وينطبق عليها قانون حماية الآثار رقم 117 لسنة 1983. وهذه الوقائع المدعمة بالمستندات تطرح تساؤلات عديدة أهمها: كيف يتم ترك مجموعة أثرية نادرة لأكثر من أربع سنوات كاملة ملقاه في قرية البضائع رغم تحذير المختصين بتعرضها للتلف لأن المكان غير مهيأ للحفاظ علي تلك الثروة الأثرية. لماذا لم يتم نقل الآثار المضبوطة إلي متحف الفن الإسلامي وفقا لرأي اللجنة المختصة؟ هل يتم تشكيل اللجان المتتالية لأي مواطن يتم ضبط قطع أثرية تخصه؟ لماذا لم يتم الاكتفاء برأي لجنة الآثار بالمطار «الأولي» أو في اللجنة الثانية لتتواصل اللجان.. وألا يمكن مع تكرار اللجان أن يأتي بين أعضاء إحداها من المعارف أو أصحاب المجاملات لسبب أو لآخر؟ أننا نطالب أن تشمل تعديلات قانون الآثار تجريم الآثار المضبوطة والقادمة من الخارج، وإيقاف وإلغاء شرط تنازل صاحبها عنها حتي لا يتم منحه فرصة للمطالبة وطلب اللجان المتتالية. وما حدث في هذه الواقعة تكرر العام الماضي مع راكب سوري ضبطت بحوزته كتب ومخطوطات أكدت لجنة وحدة الآثار بالمطار أثريتها وإنطباق قانون الآثار عليها أن الأمور انتهت بتشكيل لجان قررت الإفراج عنها! فهل بعد هذا كله يقول الوزير إن ما تنشره الصحف مضبوطات وليست آثارًا مسروقة؟!