الحيوانات لا تختلف في الرأي .. و لا تؤمن بالحوار فلم يحدث أن شاهدنا في برنامج " عالم الحيوان " أن " أسداً " يتناقش مع " غزالة " حول طريقة تنظيم الاستفادة من ماء المطر ... أو " فأراً " يحاول إقناع " القط " بأن يكون نباتياً أفضل من أن يلتهم لحوم " الفئران" الطازجة ... ذلك أن لغة الغابة لا تجد فيها رأياً أو اتفاقاً أو توافقاً أو تفاوضاَ أو غير ذلك إنما يكون فيها القرار للأقوي أو الرأي الواحد؛ لذلك فقد ميز الله الإنسان عن الحيوان بالرأي والعقل وحجج المنطق و الحوار والإقناع ... و أصبح اختلاف الرأي هو العنوان الصحيح للإنسانية. أما النظم المستبدة فهي لا تؤمن أبداً باختلاف الرأي فهي تتصور أنها تعيش في غابة و ما دامت هي الأقوي فليس لها حاجة في أن تتنافش أو تحاور هؤلاء المتفذلكين من " الفئران " أو " الغزلان " ... و قد لخص " فرعون " و هو الذي حكم مصر قبل الميلاد بأربعة آلاف سنة تلك النظرية في عبارة واحدة و هي " ما أريكم إلا ما أري ". لذلك فإن حكومات العالم الثالث يتحدثون بلغة الغابة .. حتي إذا ما حاولوا أن يقلدوا البشر فيسمحوا للرأي الآخر أن يعبر عن نفسه ولو قليلاً فلا تجدهم يستطيعون الصبر علي الاستماع إلي هذا الرأي الآخر .. ولا يطيقون تحمل ما يصنعونه بأيديهم من شكل زائف للديمقراطية. ومن أجل ذلك أيها السادة فنحن نقاوم حكومات العالم الثالث لاستبدادهم وتعسفهم لأننا نريد أن نكون بشراً و نختار حكامنا ونستبدلهم إذا ما حادوا عن الطريق أو فشلوا في تحقيق الرفاهية للإنسان العربي ... إلا أننا أيضاً كما نرفض الاستبداد بالرأي في الحكومات ... نرفضه أيضاً مع أصحابنا و أحبابنا ... الذين يغضبهم أحياناً الرأي الآخر ويرفضون تقديره كرأي مع أن الإنسان قد يتبني الوجهة المخالفة لرأيه في أي وقت ففي حزب الوفد مثلاً ... شن قادة الحزب حملة قوية علي من ينادي بمقاطعة الإنتخابات و نجح الحزب في أن يحصل علي قرار بأغلبية بسيطة بأن يخوض الانتخابات ... لكن هؤلاء الذين قرروا خوض الانتخابات و دافعوا عن رأيهم دفاعاً مستميتاً هم أنفسهم الذين وقفوا في مؤتمر صحفي منذ أيام يهددون بمقاطعة الانتخابات ويطالبون بالضمانات ويعلنون في وضوح أن عدم وجود الضمانات يجعل الإنسحاب فضيلة للمجاهدين ... أي أنهم يهددون أعداء الديمقراطية بتبني الرأي الآخر الذي أصبح فجأة رأياً وجيهاً .. وخذ مثالاً آخر من جماعة " الإخوان المسلمين " .. فقد أصر الإخوان في مصر علي أن يخوضوا الانتخابات .. و غضب الكثيرون من الرأي الذي ينادي بالمقاطعة و من ترويجه لرأيه .. في الوقت الذي قرر " الإخوان المسلمون " في الأردن مقاطعة الانتخابات و بنفس حجج ومنطق المطالبين بالمقاطعة في مصر .. بل وقاموا في الأردن بفصل من خالف القرار بالمقاطعة.. الخلاصة إذن أيها السادة إننا يجب أن نقضي علي استبدادنا نحن المصلحين الذي نمارسه أحياناً مع بعضنا البعض و أن نحترم اختلاف الرأي ذلك بنفس القدر الذي نستنكره علي الحكام المستبدين ذلك أن الرأي الذي هو عبادة في الشرائع يجب عليك إعلانه و الدفاع عنه وحمايته .. و أول حماية للرأي هي أن تحترم أي رأي غير رأيك .. فقد يكون رأي غيرك هو رأيك الذي تعود و تتمسك به .. أما سياسة الرأي الواحد .. فلا يعرفها إلا ماسح الجوخ وعبدة السلطان والتابعون في دولة " نفاقستان " وبهذه المناسبة فقد سأل أحد الصحفيين وزيراً منافقاً في دولة نفاقستان عن الأسباب التي دعته إلي تغيير موقفه من رئيس الوزارء بعد أن تم عزل رئيس الوزراء .. فأجابه الوزير المنافق : " أنا لم أتغير .. رئيس الوزراء هو الذي تغير " و عجبي