الجميل والملفت في فيلم «ولد وبنت» أنه يرصد حالة أو تصور- لايصل لمستوي الرؤية للأسف- لرومانسية ومشاعر وسلوكيات جيل الألفية الجديدة، بكل ما فيها من تمرد واضطراب.. والفيلم «قصة حب» تستحق فعلا أن نتأملها. مر زمن غير قصير دون أن تقدم الشاشة المصرية «قصة حب» رغم أن أفلام الستينيات والسبعينيات كانت - بشكل من الاشكال- كلها حب في حب، مهما كانت نوعية الفيلم سواء كان كوميديا أو بوليسيا أو اجتماعيا، ومع اختفاء قصص الحب اختفت المرأة البطلة، لذلك فإن أول ما يحسب لفيلم «ولد وبنت» أنه يقدم معالجة تقوم اساسا علي قصة حب تحيطها ظلال من الرومانسية، لأن القصة ما ان تقترب من الاكتمال حتي تتعثر، وتعود لتتوهج ثم تتعثر بسبب هذه البنت أو شهد «مريم حسن»، فهي في اللحظات الأخيرة دائما تهرب، وتخشي أن ترتبط بالولد أو سامح «أحمد داود» فهناك هواجس نفسية واجتماعية تطاردها، فهي بنت جميلة مدللة من أسرة متوسطة ميسورة الحال، ويصفها الأب «سامي العدل» دائما بأنها «سندريلا»، ولكنها تتأكد بعد أن يموت أبوها أنه لم يكن «الأمير» فهو الأديب الكبير والمثقف الواعي الذي لم يكن ابدا مخلصا لزوجته «سوسن بدر»، والزوجة أو الأم لم ترفض نزواته التي كان يعتبرها من مصادر الالهام، وتهرب البنت بعد أن يموت الأب للدراسة في الخارج!.. وعندما تعود ترفض أن تتزوج أمها مرة أخري، ثم تقرر أن تترك حبيبها لتتزوج من شاب «هاني عادل» يشبه اباها، وتنجب منه ثم تكتشف أنه أديب ومثقف انتهازي اراد استغلالها، فترفض الاستمرار معه. لم تتوقف السيناريست علا عز الدين أمام هذه التحولات التي حدثت للبنت من التأثير السلبي الذي تركه الأب- الذي أحبته كثيرا- بسبب نزواته واهماله للأم، ومن سلبية الأم نفسها تجاه الزوج، ومن تجربتها المريرة مع الزوج الانتهازي.. وهذا جعل البنت في الفيلم وكأنها تعاني من مرض نفسي ، وليس فتاة متمردة علي سطوة الرجل وانتهازيته ومحاولتها أن تكون شخصية حرة ومستقلة مع رجل تحبه.. أما حبيبها أو الولد فكان اكثر ايجابية ورفض في سن مبكرة أن يصبح طبيبا كرغبة أمه، وضع لنفسه شخصية مستقلة يباركها ابوه الذي سافر للخارج من أجل العمل والمال.. والمهم ان قصة الولد والبنت معا تمثل ادانة كاملة- حاولت السيناريست والمخرج تجنبها- للجيل السابق، جيل الشعارات البراقة والاحلام الكبيرة التي لم تتحقق لتنمو وتستمر، انه جيل انشغل عن أولاده فعليا بهدف تحقيق حياة ميسورة لهم، ووفر لهم المال ولم يمنحهم الطموح والحلم والقدرة علي التعامل مع المجتمع والحياة.. اننا أمام مسألة في غاية الأهمية فيها قراءة- علي استحياء ومتعجلة- لنماذج من الطبقة المتوسطة ابناؤها- الجيل الطالع والمعاصر- والذي ترك له الآباء ثقافة واهية مستلهمة من النزوات، وحياة اجتماعية مفككة بسبب الانشغال بتوفير السبل المادية لحياة اجتماعية أفضل، مما أدي إلي عدم اهتمام حقيقي من هذه الطبقة- التي هي عنوان المجتمع- بمتابعة المشاركة في الحياة السياسية والاجتماعية. اهمال السيناريست علا عز الدين- في أول أفلامها- والمخرج كريم العدل في أول افلامه ايضا لهذه الخلفية الاجتماعية والتي اثرت سلبا علي قصة الحب الرومانسية أضعف المعالجة واربك الدراما، ولكن يذكر لهما الاقتراب من هذه المنطقة الخطرة، والمسكوت عنها.. فهناك دائما اتهام للجيل الجدير بالعجز وقلة الحيلة طموحا وأحلاما، ولم يسأل أحد نفسه ما الذي جعل هذا الجيل هكذا؟!.. وهذا ما حاول - قدر الامكان الحرفي والثقافي- صناع هذا الفيلم الاجابة عنه، ونجد شبابا آخر يجيب عليه علي الفيس بوك، وفي الجرائد المستقلة، وفي المحطات الفضائية، فوجدنا المجتمع يعيد قراءة نفسه وما يحدث حوله. ورغم أن منتج الفيلم «محمد العدل» محترف وصانع أفلام كبيرة، إلا أنه هنا ينتقل إلي ما يقترب من السينما المستقلة- بدافع الابوة- ويترك ابنه يقترب من المسكوت عنه في سينما الانتاج الكبير، والذي يصطدم بمجتمع وطبقة.. ولكن وكما قلت في البداية فإن الفيلم في معالجته لايرقي لمستوي الرؤية، أقصد رؤية المجتمع الذي اعاق نمو قصة هذا الحب، وأدي إلي تأجيل تحقيقها لسنوات طويلة. اخطاء التجربة الأولي متوفرة في فيلم «ولد وبنت» سواء علي مستوي اجادة الحرفة تصويرا ومونتاجا وفي المعالجة نفسها دراميا، أو علي مستوي التعامل مع الرومانسية في قصة الحب بقدر غير قليل من المراهقة في خلق مواقف مثل هروب البنت، أو قرار زواجها، أووفاء الولد الذي ينتظر داخل الدراما طويلا حتي يلتقي بحبيبته بالصدفة في كل مرة. اننا أمام فيلم يستحق المشاهدة فعلا، فيلم مهم رغم كل الملاحظات، وأمام مخرج شاب «كريم العدل» نحتاجه، وكاتبة سيناريو «علا عز الدين» عليها أن تصقل نفسها لتصبح أكثر نضجا ووعيا، ومدير تصوير جديد مجتهد وحساس «عبدالسلام موسي» ومونتيرة تملك حسا سينمائيا جيدا «سلاف نور الدين».. أما فريق التميل فهو واعد ومتميز بالفعل: مريم حسني واحمد داود وآية حميدة، بينما لم يكن اختيار هاني عادل موفقا.. إن «ولد وبنت» فيلم مختلف ويستحق التشجيع والمشاهدة.