ثبت عندي إحساس دائم خلال السنوات التي مرت علي تشكيل المجلس القومي لحقوق الانسان بأن إنشاء هذا المجلس الذي أنشأته الدولة لا يستقيم مع بقاء العمل بقانون الطواريء وتمديد العمل به، كلما قاربت مدة العمل به علي الانتهاء بهذه الحجة أو تلك!، وكان يراودني أمل في أن يعتدل عندي هذا «الاعوجاج في حكومية» هذا المجلس بإلغاء قانون الطوارئ في أقرب أجل!، لكن أملي هذا كان يتبدد كلما انتظرت إلغاء الطوارئ بعد طول معاشرة، ومجلس الشعب تشير كل التوقعات فيه إلي أن القانون سيمد العمل به بإذن الله وموافقة أغلبية المجلس وزميله مجلس الشوري، حيث استمرأت هذه الأغلبية مد العمل بالقانون متسقة مع اعتقاد حزبها الحاكم بأن الحلول الأمنية لكل معضلة عندنا، تتصل بالأمان العام هي الحلول الوحيدة والممكنة!، وقد ظلت مهام المجلس محصورة في رفع المجلس كل عام تقريرا بأعماله وما أتمه من واجبات إلي رئيس الجمهورية، ثم نظر المجلس فيما يصله من الشكايات والمظالم في مجال حقوق الانسان، ثم وضع التوصيات التي هي غير ملزمة لأي جهة رسمية يتصل عملها بحقوق الانسان ، حيث نص إنشاء المجلس علي أن توصياته وما يراه غير ملزم!، وفي عدم الإلزام هذا ما كان محل اهتمام مسئولي المجلس الإشارة إليه وتأكيده كلما دعت الحاجة إلي هذا التأكيد!، وتبقي المهمة الكبري للمجلس في الرد علي ملاحظات اللجان الدولية- أشهرها وأصغرها- كلما وردت من هذه اللجان الدولية تقارير تفيد بأن حالة حقوق الانسان في مصر مازالت لا تسر عدوا ولا حبيبا في مصر والخارج!، وقد ظلت هذه المهمة ثقيلة ومركبة ينهض بها المجلس كالهبوط الاضطراري للطائرات حيث يعرف قائد الطائرة وحده حقيقة العطب والعوار الذي حط علي الطائرة!، لكن الفرق بين مجلس حقوق الانسان وقائد أي طائرة أنه لا ينفرد وحده بهذه المعرفة الخاصة بمثالب أحوال حقوق الانسان في مصر!، ففي داخل مصر وحدها حوالي عشرين منظمة تعمل في رصد انتهاكات حقوق الانسان، وتعلن هذه المنظمات في تقارير دورية هذه الانتهاكات التي أصبح لها زبائنها الدائمون المتجددون أمام الرأي العام والصحف المستقلة، وهكذا ظلت مهمة المجلس القومي لحقوق الانسان ثقيلة الوطأة، تجعل الانسان لا يملك غير مشاطرة المجلس همه، ثم تهنئة من يخرج من عضوية المجلس ومناصبه القيادية كون أنه نجا من هم ثقيل ليس له العائد الايجابي الذي لا طريق له غير إزالة العقبات، علي رأسها قانون الطوارئ - أمام هذا العمل وعائده، وإذا كنت أشهد للدكتور أحمد كمال أبوالمجد الذي حافظ علي استقلاله وهو نائب رئيس المجلس، فإن تهنئته لاتفوتني وقد ترك المنصب، ونسأل الله أن يعين من بقوا في عضوية المجلس بعد التغييرات الأخيرة، وعلي رأسهم المستشار مقبل شاكر الذي حل محل أبو المجد، وبقي د.بطرس بطرس غالي في منصبه كرئيس للمجلس منذ إنشائه يديره من باريس مقر إقامته الدائمة، ولقد وجدت نفسي غير قادر علي شكر المجلس الذي انتهت مدته، ولا الشكر لمن بقوا في عضويته، حيث قام بهذه المهمة نيابة عني كمواطن وغيري من المواطنين د.مفيد شهاب وزير الشئون القانونية والمجالس النيابية بالحكومة، الذي أشار إلي أن المجلس قد قام برسالته علي أكمل وجه!، كذلك فعل السيد صفوت الشريف رئيس مجلس الشوري الذي أفاد «بأن المجلس القومي لحقوق الانسان تتبني الحكومة مسيرة حقوق الانسان التي يرعاها، مؤمنة بدور المجلس، والحكومة ستعمل علي دفع مسيرته، وإزالة أي عقبات تعيق عمل المجلس»، وإذا فكله تمام، ولا شيء لا يستوجب الشكر!. وقد توقعت أن تأتي في مجلس الشوري وهو يعلن تشكيل المجلس سيرة أكبر عقبة وأخطرها في إعاقة عمل مجلس حقوق الانسان وهي بقاء قانون الطوارئ فلم تأت السيرة!، مثل وعد إن شاء الله بأن الحكومة ستعمل علي عدم مد العمل بقانون الطواريء في أقرب فرصة، فلم أجد!، بل أدركت أن الأوان لم يأت لأي إعلان عن قرب وصول هذا الطائر الخرافي أقصد القانون الجديد لمكافحة الإرهاب محل قانون الطواريء - فلم أجد ما يبشرني بقرب وصول هذا الطائر إلي مجلسي الشعب والشوري!، واكتئبت شأن كل مصري، فهذا يعني أننا مقبلون علي مد جديد لقانون طوارِيء تاريخي يعز عليه مفارقتنا بالحسني!، مع ثقتي أنه لو كان عند مجلس الشوري أي جديد عن القانون الجديد لكانت البشارة علي الشوري واجبة، وقلت لواحد من الآملين المتفائلين: إذن.. ماسبب بقاء المجلس القومي لحقوق الإنسان؟!، أجاب : ياأخي.. آهو مجلس أحسن من مفيش!.